ـ(164)ـ
وكلما امتد الخط اقتربت نهايتاه.
فلماذا لا يكون مسار السياسة هو الآخر أحدب حتّى إذا ازداد امتداده عاد طرفه إلى النقطة التي انطلق منها أولاً، وتلاقت نهايتاه من جديد متى تشكلان نقطة تجمع واحدة هي من سنخ النواة الأولى على عهد الرسول الأكرم؟؟
إننا نستطيع إذن أن ندخل من نفس الباب الذي خرجنا منه متفرقين، فنعود كما كنا أمة واحدة، ونعود وكأن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قائم بيننا، وهو قائم بيننا حقا ولكنا شد هنا عنه !
إنه قائم بيننا بسنته الحية الثابتة، وبهذا القرآن المحفوظ الذي لا تجف الألسن من تلاوته.
إن هذا التصور الذي نطرحه هنا ليس هو من قبيل أماني الحالمين، ولا هو من أبواب الخيال العلمي المجرد، بل هو حقيقة كائنة نستطيع أن نعبر عنها بأنها (حتمية) بكل ما لهذه الكلمة من معنى.
نقول حتمية يقيناً منا بالوعد الصادق الذي قطعه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لنا بأننا سنجتمع يوماً على قائد واحد يملك الأرض ويصلي خلفه المسيح عيسى بن مريم عليه السلام: "لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتّى يبعث رجلاً من ولدي يواطئ اسمه اسمي، ويملؤها عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً"!(1).
إنها إذن حتمية كائنة ولو في آخر يوم من أيام الدنيا.
ولكن هذا الوعد لا يلغي عنا التكليف، فالتكليف قائم وكأن هذا الوعد لم يكن، فالأمل إذن قائم قيام التكليف، ثابت ثبات الشريعة.
ومن ناحية أخرى فإن منظر الغثاء المفجع الذي صرنا إليه لهو خير حافز إلى ذلك الأمل.
صحيح أن الحوافز إنّما تؤثر في الأجساد الحية، ولا شأن للغثاء بذلك، لكن
______________________
1 ـ سنن أبي داود: 4 ح: 4282، سنن الترمذي: 4 ح 2231، الإرشاد للمفيد 2: 340.