ـ(116)ـ
وقوف (الفقهاء) عند المسائل، وخوض العوام في الأقاويل حتّى أن الوعاظ والخطباء ليترصدون مواطن الخلاف ويبحثون عن حدود دقيقة للطوائف والفرق يعكفون على بيانها ورسمها كما تعكف الدول اليوم على رسم حدودها، فيقال لك إن قلت كذا فأنت من طائفة كذا وإن رأيت غيره توشك أن تكون من طائفة أخرى غيرها كأن ما بين الفرق صراط لا يسير فيه إلاّ حاذق، وقد أظهرت عبر التاريخ أن المصلحين وقادة التجديد يجتاحون هذه الحدود كما يغطي السيل الجارف على الرسوم الدوارس، لا يسلمون في ذلك من اتهام وتبديع وتكفير، ولكنها سنة الله في الخلق.
مذاهب العصر:
لقد كان لاتصال المسلمين بالحضارة الأوروبية آثار خطيرة، تغلغلت معها فلسفات أروبا ومقولاتها في عقائد أبناء المسلمين وفي النظم السياسية والاجتماعية، وفي المذاهب الاقتصادية التي يعتنقونها، ولم يعد ـ بعد هذا الاتصال والتأثر ـ ثمة من طائل وراء التقسيمات الفكرية والنظرية التاريخية وقد بدت معظم اختلافات المسلمين الاوائل قزمة ومتضائلة أمام الاختلافات العملاقة التي تمخضت عنها مقولات الفلسفة الحديثة.
إن من أبرز الفلسفات اللادينية في الفرق المعاصرة التي اجتاحت العالم الإسلامي، التي تجعل ظاهرة الإيمان بالله وبالرسل مسألة اعتقاد شخصي لا يترتب عليها في الواقع الاجتماعي أمر بارز، وبذلك فأن المرء لا يسأل عنها ولا يلام فيها، وذلك أنّه لا يترتب عليها في كيان الدولة ولا توجيه الحياة الاجتماعية والاقتصادية قليل أو كثير وكذلك العبادات ما هي إلاّ طقوس ليس بينها تمايز أو تفاضل، ولا حق فيها ولا باطل فهي محترمة وصحيحة ما دام صاحبها يظن أن فيها نفعاً، ويستوي في ذلك ما يتعبد به المجوسي والمسلم والمسيحي وصاحب اليوقا وأخو الأرواح والنجوم.