ـ(185)ـ
أصيل يتمسك بعقيدته ويعتصم بدينه. ولابد لتحقيق هذه الحركة وتلك الإمكانات من اللجوء إلى الطرق في الاجتهاد التي كان يلجأ إليه من سبقوا أئمة المذاهب لتصلح أمتنا الإسلاميّة الممزقة على ما صلح عليه أولها. وأعني به القرآن الكريم والسنة الصحيحة. وهذان المصدران للتشريع هما فخر المسلمين وعماد الإسلام لا المذاهب التي عاشت عصرها وأعطت ما عندها في إطار إمكانات ذلك العصر.
لأن القرآن الكريم والسنة الصحيحة هما المعين الذي لا ينضب إلى الأبد، وهما المرجع العلمي الأول الذي يتكفل بإيجاد الأحكام الملائمة لأهل كل زمان، ولا سيما القرآن الذي هو معجزة المعجزات بما أودعه الله من علوم وآداب، ومما يحمل في طياته من مكنونات قرأها من قبلنا ونقرؤها نحن في عصرنا فنحسبها أسراراً مطلسمة، لأن وقت حدوثها لم يحن، وسيستمر من يأتي بعدنا في تدبر هذا القرآن فيستخرجون منه من ألوان المعارف ما يسد حاجاتهم ويساير تطور أزمنتهم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها مصداقاً لقوله تعالى "أفلا يتدبرون القرآن و لو كان من عند غير الله لوجدوا فيه أختلافاً كثيراً."
أنا لا أنكر أن المذاهب التي انبثقت عن دوحة الإسلام: سواء أكانت على الصعيد الفقهي، أو على الصعيد السياسي، قد اشتملت على مجموعة من المعلومات القيمة التي أفادت المسلمين، غير أنها أججت نار الخلاف بينهم وأفضت ـ في كثير من الأوقات ـ إلى تنابذهم واقتتالهم. وقد استغلت الصهيونية والاستعمار ـ بشقيه القديم والجديد ـ الخصب التشريعي في الإسلام، فاغتنموا تعدد المذاهب سبباً للإيقاع بين المسلمين. ذلك أنّه يشق على المستعمرين والصهاينة أن تشدّ الألفة المسلمين جميعاً وهم يريدونهم أشتاتاً مبعثرة لا يجمع شملهم دين، ولا يلم شعثهم نظام، ولا تبيد أحقادهم دعوة.
وإنه لما يؤلمنا أكثر أن تظل السياسية التفريقية للاستعمار والصهيونية، نشطة وفاعلة على ساحاتنا العربية والإسلاميّة ، بل وأن تتبنى هذه السياسية المرذولة طغمة من تجار المذهبية، زاعمين أنهم بتعصبهم المذهبي البغيض يدافعون عن الدين، والدين منهم ومن مخازيهم براء.