ـ(161)ـ
ولا لصفة توجبهما، وإنّما حسنه ورود الشرع بالأذن لنا فيه على سبيل الوجوب، أو الندب، أو الإباحة، وقبحه وروده بحظر من الشارع لنا منه على سبيل التحريم، أو الكراهة، وإذا ورد الشرع بإطلاق الفعل لنا، أو منعنا منه وقلنا:
"أن ما أذن لنا فيه الشارع فحسن وما منعنا عنه فقبيح"، فان هذا الوصف بالنسبة لأفعال المكلفين ليس منشؤه العقل، وإنّما منشؤه حكم الشارع، "فمقياس الحسن، والقبح عندهم (أي الأشاعرة) هو الشرع، لا العقل".
"فالصلاة، والصوم، وأمثالهما مما أمر الله به، فهو حسن، وليس حسنه إلاّ من جهة أمر الشارع به فقط، والزنا، والسرقة، والقتل عدواناً بغير حق، واكل أموال الناس بالباطل كلّ ذلك قبيح لنهي الشارع عند فقط، فلو لم يكن أمر الشارع بما أمر، ونهى عما نهى لما كان حسناً أو قبيحاً"(1).
وعلى هذا الأساس، فإن الأشاعرة لم يجوزوا الحكم بالحسن والقبح على الأفعال قبل ورود الشرع(2) لان المناط في اتصاف الفعل بالحسن والقبح هو أمر، ونهي الشرع، فلا اتصاف لـه بهما قبل ورودهما.
يقول أبو حامد الغزالي وهو يقرر أن الوجوب لابد أن يكون بالشرع لا بالعقل:
"أن معرفة الله سبحانه وطاعته واجبة بإيجاب الله تعالى، وشرعه، لا بالعقل ـ خلافاً للمعتزلة". ويقول:
"انه يجوز على الله سبحانه أن يكلف الخلق ما لا يطيقونه ـ خلافاً للمعتزلة ـ، ولو لم يجز ذلك لاستحال سؤال دفعه، وقد سألوا ذلك فقالوا "ربنا ولا تحملنا مالا طاقة لنا به"(3).
ويقول أخيراً: "أن العقل لا يرشد إلى النافع، والضار من الأعمال، والأقوال، والأخلاق، والعقائد بالنسبة إلى الآخرة، ولا يدعو إلى شيء منها على سبيل
__________________________________
1 ـ الأصول العامة للفقه المقارن: ص 284.
2 ـ نظرية التكليف: ص 437.
3 ـ البقرة: 286.