ـ(202)ـ
وهو فيض من عطاء الله لا مقابل لـه من عمل العبد، إلاّ أنّه اهتدى ورجع عن الضلال، وتاب إلى حمى الله ولاذ به بعد الشرور والمتاهة [وكان الله غفوراً رحيماً](1).
فالابتداء بالندم والإقلاع عن المعصية، والانتهاء بالعمل الصالح الذي يحقق التوبة النصوح، بعدها تتحقق الرحمة والمغفرة من الله تعالى الغفور الرحيم، فهو تبارك اسمه غافر وغفور وغفار للذنب؛ لأنه جل جلاله (يزيل معصيتك من ديوانك، وغفور؛ لأنه ينسي الملائكة أفعالك، وغفار؛ لأنه ينسيك ذنبك حتّى كأنك لم تفعل. وقيل: الغافر في الدنيا، والغفور في القبر، والغفار في عرصة يوم القيامة)(2).
فالانتقال من التوبة إلى الإنابة لا يتحقق حتّى يستكمل العبد مرحلة التوبة النصوح ويحقق ذلك في نفسه، خصوصاً إذا وصل السالك إلى آخر درجات التوبة التي هي: الاستغفار الحقيقي القلبي، لا الاستغفار الذي لا يتعدى اللسان، كلقلقة الكلام الميت الذي ليس لـه حالة واقعة ومؤثرة في النفس، قال الله تعالى: [والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يعفر الذنوب إلاّ الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون _ أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ولنعم أجر العاملين](3).
فذكر الله ـ تبارك اسمه ـ والرجوع إليه بالاستغفار والحزن الطويل، والبكاء من الخطيئة، وقضاء العبادات التي فوتها العبد أثناء ارتكاب الذنب، والخروج من مظالم العباد، وترويض هذه النفس الأمارة بتحميلها ما يشق عليها في الشريعة المقدسة، يعطي للعبد استغفاراً حقيقياً مقبولاً عند الله تبارك اسمه قال الإمام علي ـ عليه السلام ـ لقائل قال بحضرته: "أستغفر الله، ثكلتك أمك، أتدري ما الاستغفار أن الاستغفار درجة العليين،
__________________________________
1 ـ في ظلال القرآن لسيد قطب 6: 2579 والآية في سورة الفرقان: 70.
2 ـ شرح أسماء الله الحسنى للفخر الرازي: 219.
3 ـ آل عمران: 135 ـ 136.