ـ(124)ـ
وجدنا: أن الإمام عليا ـ عليه السلام ـ كان في صدر الّذين نبهوا إلى ما يجب أن تتوفر عليه الأسواق والطرق، من ترتيب وعناية على ما ورد في "كنز العمال"(1).
وينبغي أن نرجع إلى ابن عبدون(2). الذي يبرز الشروط التي يجب أن تتوفر في الشخص الذي يرشح لهذه المهمة، من عفة وورع وعلم ومعرفة شاملة بالأمور، وفطنة وعزة نفس وشهامة. هذا إلى ما ينبغي أن يتوفر عليه أعوان هذا المحتسب كذلك: من نزاهة ومروءة وكتمان للسر وإخلاص للمهنة.
وقد دخل علم الحسبة مرحلة استقلت فيها بعض مسائله بالتأليف، وهكذا ظهر في بلاد المغرب كتاب "أحكام السوق" ليحيى بن عمر، المتوفى أواسط القرن الثالث الهجري.
وبالنسبة للبلاد المشرقية كان من أقدم ما وصلنا عن وظيفة الاحتساب هو:
الفصل الرابع الذي كتبه أبو الحسن الماوردي، من أهل القرن الخامس في كتابه "الأحكام السلطانية".
وقد برز نظام الملك الحسن بن علي ـ ت 485 هـ ـ 1092 م ـ بما قدمه الينا في كتابه "سياسة نامه" عندما ذكر: أنّه يجب تعيين المحتسب في كلّ مدينة؛ لمراقبة أوزان الأسواق ومقاييسها وأسعارها، منعاً للغش، وحماية للمستهلكين.. وهو يقول: (إنّ على من ولاه أمر المسلمين أن يعزز جانب المحتسب، ويسنده بكل ما يوجد تحت سلطته من موظفين؛ حتّى لا يتصرف أهل السوق على حسب هواهم، وحتى لا يتلاعب الوسطاء بمصالح الناس..).
وقد توالى الإنتاج الغزير في موضوع الحسبة، وتعدد المصنفون فيه من المشرق والمغرب، بل إنّ التأليف حول الموضوع لم يقتصر على اللغة العربية، ولكنه تجاوز إلى اللغات الأجنبية: كالفرنسية والإنجليزية(3).
__________________________________
1 ـ كنز العمال 15: 411، ورجال الكشي 1: 18 ـ 21، والتراتيب الإدارية للكتاني 1: 284.
2 ـ رسالة في الحسبة لمحمد بن أحمد بن عبدون التجيبي.
Journal Asiatique Avril -Jum 1934 p.193-254.
3 ـ ظهر قبل عشرين سنة عن المعهد الأسباني العربي للثقافة مؤلف ضخم باللغة الأسبانية، يتألف من نحو ثمانمائة صفحة بعنوان:
Pedro Chalmeta gendron: el senor del Zoco en Espana: Madrid 1973.