ـ(94)ـ
في هذا الإطار المحدود أطرح موضوعا يختص بالأصل الأول في بناء الإسلام عند الشيعة والسنة على السواء واقصد به (الكتاب الكريم) الذي (لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه)والذي تكفل الله وحده برعايته وحفظه وصيانته.
هذا الأصل إذا كانت قدسيته وحرمته وتنزهه عن التحريف بالزيادة أو النقص محل اتفاق وإجماع بين الفريقين فان التقريب في بقية وجهات النظر المختلفة في المعقول والمنقول لا أظن أن أحداً يختلف حول أهميته وضرورته.
وهنا تبدو مناقشة اتهام الشيعة الإمامية بتحريف القرآن أمرا لـه أهميته وخطورته أيضاً... لأننا لا نستطيع أن ننادي بالتقريب بين طائفتين تختلفان اختلافا جذريا حول قدسية الأصل الأول في بناء العقيدة عند كل منهما.
ونقطة البدء التي أواصل منها حديثي هي: أنه لا يشك مسلم في أن الشيعة الإمامية مسلمون ومن أهل القبلة بكل مقاييس الإسلام الموجودة عند أهل السنة.
ومن وجهة نظري ومن خلال أبحاث بدأت بها وأنوي الاستمرار فيها أعتقد أن هذه القضية لا تستحق أن تقف عقبة في وجه التقريب بين الفريقين إذا استطعنا أن نثبت من خلال البحث: أن فكرة تحريف القرآن فكرة شاذة لا تمثل اتجاها عاما، ولا أغلبيا في المذهب الشيعي، بل هو شذوذ وانحراف عن روح المذهب وقواعده ومقالاته، أنكره الشيعة الإمامية أنفسهم قبل غيرهم.
وهذا لا يعد نسيانا ولا تغافلا عن حقيقة الخلافات بين الفريقين، إذ من أهم الخلافات مسألة عصمة الإمام وما يترتب عليها من اعتبار الآثار الواردة عن الأئمة جزءا مكونا من السنة، أو في مصاف الأحاديث النبوية. إلاّ أننا حيث نعرف أن الشيعة لا يجعلون للوحي امتدادا بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فإن مسألة العصمة لا تصلح سببا كافيا في إخراجهم من دائرة الإسلام بالمعنى السني، خصوصا إذا فهمنا عصمة الأئمة في إطار الإلهام والتحديث الذي كان يتصف به بعض الصحابة رضوان الله عليهم.
والذي يعنينا في هذا المقام قضيتان:
الأولى: اتهام أهل السنة للشيعة بالتحريف.
والثانية: اتهام الشيعة لأهل السنة بالتهمة ذاتها.