ـ(35)ـ
رأياً خاصاً في اعتبار دليل العقل وعدم اعتباره.
أما عند الإمامية فسأعرض لموقف الأصوليين والأخباريين.
دليل العقل عند أهل السنة:
الحديث عن موقف أهل السنة من دليل العقل سأحصره في ثلاث طوائف؛ لأتحدث عن كل واحدة منها، موضحاً موقفها من هذا الدليل.
أولاً: الأشاعرة (1).
ترى هذه الفرقة: أنه ليس للفعل نفسه حسن وقبح ذاتيان، وإنّما حسنه من جهة ورود الأمر الرباني فيه للعباد على سبيل الوجوب، أو الندب، أو الإباحة. وكذلك قبحه لورود الحظر من الشارع فيه على سبيل التحريم أو الكراهة، فكل ما يأذن به الشرع فهو حسن، وكل ما ينهى عنه فهو قبيح.
وإذا لاحظنا منشأ هذا الحسن والقبح نراه حكم الشارع، وليس العقل، كما يكون ذلك في الصلاة والصوم وأمثالهما مما أمر الله به حسن، وحسنه من جهة أمر الشارع به فقط.
وكذلك الزنا، والسرقة، والقتل عدوانا، وأكل أموال الناس بالباطل، كل ذلك قبيح؛ لنهي الشارع عنه فقط، فلو لم يكن أمر الشارع بما أمر أو نهى عما نهى لما كان حسناً أو قبيحاً.
فأوامر الله سبحانه إذن هي التي تحسن وتقبح الأفعال، ولا تكليف للعقل فيها من حيث تحسينها أو تقبيحها، ولا ثواب ولا عقاب إلاّ بمخالفة أوامر الشارع، ولا عبرة للعقل وأحكامه في ذلك، وإنّما العبرة دائماً بأحكام الشارع الحكيم (2).
__________________________________
1 ـ الأشاعرة: فرقة تنتسب إلى أبي الحسن الأشعري، ولد، بالبصرة عام (260هـ) وتوفي سنة نيف وثلاثين وثلاثمائة هجرية، تخرج على المعتزلة في علم الكلام، وتلمذ على أبي علي الجبائي، قاد حركة المقاومة ضد المعتزلة، وعارض أكثر آراءهم. راجع: النظم الإسلاميّة لصبحي الصالح: 173، وتأريخ المذاهب الإسلاميّة لمحمد أبي زهرة 1: 191.
2 ـ راجع لزيادة الاطلاع: مباحث الحكم عند الأصوليين لمحمد سلام مدكور 1: 168، وأصول الفقه لمحمّد أبي زهرة: 73، والإمام الصادق لمحمد أبي زهرة: 490.