ـ(206)ـ
مطامع تاريخية: كأراضي بني النضير وبني قريظة وأراضي خيبر وغيرها في طرفة عينٍ، ولعلهم يفعلونها يوماً من الأيام (لا قدر الله ذلك اليوم)، فهم حينما يفاوضون العرب من أجل السلام لم يقصدوا السلام، ولم يكن خوفاً من العرب، بل إنّمّا يريدون أنّ يسيطروا على أراضيهم وثرواتهم برفق وبرضى منهم أو من حكامهم؛ ليتدخلوا في شؤونهم ثقافياً واقتصادياً وسياسياً، فيكونون أحراراً فيما يعملون في تلك البقاع، ويتخذون من تلك الشعوب أداة لبسط سلطانهم عليهم وعلى العالم الإسلامي كله، ويتعاملون معهم معاملة السيد مع عبيده، والملك مع رعيته طوال الدهر.
ويرون أنّ الصلح المنشود هو الطريق الوحيد للوصول إلى مطامعهم، حتّى أنهم يمهلون أمر الصلح عمداً، ويسوفونه قصداً؛ لإرضاء النفوس شيئاً فشيئاً، حتّى يقتنعوا بأنه لا طريق للخلاص سوى الصلح والسلام.
مع أنّ مثل هذا الصلح هو الرصاصة الأخيرة لسقوط الشعوب العربية، ثم لسقوط العالم الإسلامي، فيكون مسلموا العالم في قبضة اليهود، فأين الصلح العادل ؟ ليس هذا سوى الاستسلام المطلق دون السلام العادل !
ثم إنّ اليهود متى التزموا بعهودهم طوال الدهر وخاصة في مسألة فلسطين حتّى نثق بهم ؟
وأخيراً لو فرضنا حصول كلّ هذه الشروط والقيود فإن أكثر المسؤولين المتصدين لا نثق بهم، وسوف يتخذون من هذه الفتيا ذريعةً لالتباس الأمر على الشعوب، وسيفاوضون العدو في صالحهم أكثر من صالح الشعوب، وسيكون هذا الحكم من سماحتكم مبدأ شرعية اليهود وشرعية عمل المسؤولين الّذين أجروا مفاوضات السلام معهم.
فإياكم أنّ تجعلوا رقبتكم قنطرة لهؤلاء، والصواب هو الاكتفاء منكم بالشطر الأول من الفتيا، والانصراف عن الشطر الثاني رأساً، والمرجو منكم أخذ هذه السطور بعين الاعتبار، ثم الإجابة عليها، فإني ما أردت إلاّ الإصلاح ما استطعت، والله من وراء القصد، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.