ـ(173)ـ
وعليه، فإن الخطوة الأولى على طريق التربية والتعليم بمفهومها الحديث قد خطاها المسلمون منذ زمن بعيد؛ ذلك لأنّهم يملكون ثقافة ذات غنىً، وثروةً على هذا الصعيد، وكما قلنا فقد كانت بحوث العلماء المسلمين في ميدان التربية والتعليم قد بدأت منذ أوائل ظهور الإسلام، وقد ألفوا فيهما ـ كما أشرنا ـ عشرات من الكتب التي استوحى منها العلماء الغربيون فيما بعد أفكارهم، ومن هذه الكتب: كتاب "آراء أهل المدينة الفاضلة" للفارابي، و"الرسائل" لإخوان الصفا، و"السياسة" لابن سينا، و"إحياء علوم الدين" للغزالي، وغيرها من عشرات الكتب التي كتبها المسلمون في التربية والتعليم، أو فيما يرتبط بالتربية والتعليم، وهي كلها مصاديق واقعية تحكي عن غنى الثقافة الإسلامية، تلك الثقافة التي يصورها لنا القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة، وما ورد إلينا من الأئمة الكرام عليهم السلام والصحابة العظام (رضي الله عنهم).
وإذا نظرنا في القرآن الكريم والأحاديث الشريفة يظهر لنا بوضوح: أنّ في الثقافة الإسلاميّة لا تبدأ تربية الإنسان بولادته، اذأن ولادة الإنسان مرحلة من مراحل تربيته، ففي تعاليم التربية والتعليم الإسلاميّة تبدأ تربية الإنسان قبل أنّ يولد عندما يكون جنيناً، بل منذ انعقاد نطفته وحتى قبل ذلك أيضاً، فقد وردت التوصيات للمسلمين بأن يختاروا لنطفهم من أجل خلق جيلٍ سليمٍ صالحٍ، كما أنّ هناك توصياتٍ تتعلق بما قبل انعقاد النطفة أيضاً.
فهذه الثقافة التي تقترح وصايا خاصة لاختيار الزوجة، وتعني بالجيل الجديد قبل أنّ تنعقد نطفته، وبعد أنّ يتكون جنيناً في رحم أمه، وبعد أنّ يولد ويمر بمرحلة الرضاعة، وبعد أنّ يجتازها إلى المراحل الأخرى لا تغفل عن الإنسان قبل ولادته ومنذ طفولته حتى أعتاب الشيخوخة والوفاة. ففي كلّ هذه المراحل تتواصل الوصايا والتعليمات والإرشادات البناءة من أجل تربية هذا الإنسان وتعليمه في جميع مراحل حياته.
ولو أننا ـ كمسلمين ـ واصلنا جهود السلف في حقل التربية والتعليم بشكلٍ فاعلٍ