ـ(141)ـ
على الدلائل الأصلية للمسائل الفقهية، وما بني عليه كل قول فقهي منها.
فتارة تربط الفروع بالأصول، وتارة أخرى تربط الأصول بالفروع في صعيد واحد؛ لتظهر بوادر الحجة والبرهان وتتفتح العقول والأذهان، فوسط هذا الميدان من الدراسة المعمقة يحاول الدارس أنّ يستجلي حقائق الفقه الإسلامي، مستفيداً من منهجية الدراسات القانونية الحديثة ـ وخاصة الناحية الشكلية ـ تنسيقاً وتبويباً ثم عرض نصوص مواد القانون الوضعي على حقائق وأحكام هذا الفقه أيضاً، كمحاولة من أجل الاستنتاج، ومعرفة مدى التطابق والتوافق، أو التخالف والتباين.
لقد راعت التقنينات الوضعية الإسلاميّة العربية الاحتفاظ بقدر كبير من القوانين المعمول بها في حينها؛ وذلك منعاً للطفرة ومضارها، ورغبة في الإفادة من استقرار تلك القوانين بها، بعد أنّ صقلها العمل، وأوضح الاجتهاد غامضها وأكمل نقصها، وكل منها توخى بدرجات متفاوتة وصل حاضرها بماضيها، وتوثيق الصلة بينه وبين تراثها القانوني العظيم، متمثلاً في الفقه الإسلامي الذي ظل هو القانون العام لهذه التقنينات قرونا طويلة في جميع تلك البلاد، حتى وضع التقنينات الحديثة بها، بل ما يزال هو القانون العام في بعضها، وكل منها استهدف استيعاب تيارات التشريع العالمية، والأخذ بأسباب تطويرها، تقريباً للشقة بين أحكامها وأحكام تقنينات البلاد العصرية المتقدمة، وتيسير التعامل والتبادل مع أهل تلك البلاد، بعد أنّ أصبح العالم كله يكاد أنّ يكون وحدة متكاملة لا يستغني بعضها عن بعض.
لقد فرض الرجوع إلى الفقه الإسلامي عند وضع التقنينات الحديثة في أكثر البلاد العربية والإسلامية أوّلاً وقبل كل شيءٍ: أنّه كان يمثّل القانون القائم في تلك البلاد وقت إعداد تلك التقنينات.
لقد ارتبط الفقه الإسلامي بتاريخ الحضارة الإسلاميّة والعربية، وأمدها بالأسس القانونية التي ساعدت على ازدهارها وانتشارها بضعة قرون في ربوع أوروبا، وحتى أقاصي آسيا، وظل هو القانون العامّ في البلاد الإسلاميّة والعربية إلى وقتٍ قريبٍ جدّاً؛ بل لا يزال كذلك في بعضها حتى الآن. فضلاً عن أنّه ينبثق من مثلٍ عليا تقوم على أساس الدين الإسلامي.