ـ(229)ـ
بقى هنا أمران:
الأول: أنّ يقول قائل: نحن نسلم بجواز التبرك والتوسل للعلماء الّذين فهموا جوهر الدين، إلاّ أنّ ذلك ممنوع على العوام؛ لأنهم سوف يحولونهما إلى الشرك، حيث يعتقدون أنّ للنبي وآثاره وللأولياء تأثيراً ذاتياً في رفع الحاجات أو دفع المضرات، فيجب المنع عنهما سداً للذرائع. وهذا ما أسمعنا به الأستاذ الدكتور محمّد بن سعد سويعر ـ حفظه الله ـ يوم حضرنا عندكم عند جلوسنا على مائدتكم مشكورين.
والإجابة على هذا الكلام سهل، فإنه إذا ثبت جواز عمل بل استحبابه بدليل قطعي فلا يجوز المنع عنه بقول مطلق خوفاً من أنّ يحوله بعض من جهل إلى ما فيه لون من الشرك، و إلاّ لكان على الرسول عليه السلام أنّ ينهى الناس عن التبرك بآثاره سداً للذريعة، كما كان ينبغي لـه أنّ يمنع الناس عن زيارة القبور حذراً من أنّ يتخذها الجاهلون صنماً يعبد، أو يمنع من استلام الحجر لنفس السبب.
وهذا ليس هو الطريق الوحيد والقول السديد لسد الذرائع، بل الطريق هو: مراقبة العلماء الّذين هم ورثة الأنبياء، والذين هم أمناء الله على حلاله وحرامه لهكذا أعمال والبت فيها، فإنهم أمروا بحفظ أفكار ومعتقدات المسلمين عن تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين ـ كما جاء في الحديث ـ: " من غير أنّ يحرموا حلالاً أو يحللوا حراماً" (1)، أو يفرقوا في حكم واحد بين العوام والخواص.
الأمر الثاني: أنّ من يجوز التبرك والتوسل هم: جمهور العلماء في قبال جماعة أقل منهم بكثير ممن لا يجوزونهما، ولاريب أنّ المجوزين اختاروا الجواز بعد الوقوف على الآراء، وبعد البحث والفحص عن الأدلة والاطلاع على ما أبداه الشيخان السلفيان: الشيخ ابن تيمية، والشيخ محمّد بن عبد الوهاب وأتباعهما فهؤلاء لم يقتنعوا طوال هذه القرون السبعة إلى يومنا هذا بحجج مخالفيهم، فهم مجتهدون، ولكل مجتهد مصيب أجران، وللمخطئ أجر واحد كما هو ثابت عند الفقهاء. فالمسألة بعد أنّ عادت
_____________________________________
1 ـ معالم الدين للشهيد الثاني: 33 طبع سنة 1413 هـ.