ـ(227)ـ
بالأحياء دون الأموات؛ لعدم وجود دليل على جوازه إلاّ في حال الحياة بالذات.
فأقول: هناك بعض الآثار تدل على أنّ الصحابة قد تبركوا بآثار النبي بعد مماته. فعن عبدالله بن عمر ـ رضى الله عنهما ـ أنّه كان يمسح منبر النبي تبركاً به.
وهناك شواهد على أنهم كانوا يحتفظون بشعر النبي كما كان الخلفاء العباسيون، ومن بعدهم العثمانيون يحتفظون بثوب النبي تبركاً به، ولا سيما في الحروب ولم يمنعهم أحد من العلماء الكبار والفقهاء المعترف بفقههم ودينهم.
وهنا أود أنّ الخص لسماحتكم كلام الأستاذ الدكتور سعيد رمضان ـ العالم السوري حفظه الله في هذا المجال ـ نقلاً عن كتابه "فقه السنة" بعد ما أشار إلى شطر مما يدل على جواز التوسل بالنبي صلى الله عليه وآله وبآثاره قال: (وليس ثمة فرق بين أنّ يكون ذلك في حياته أو بعد وفاته. فآثار النبي لا تتصف بالحياة مطلقاً، سواء تعلق التبرك والتوسل بها في حياته أو عبد وفاه، كما ثبت في صحيح البخاري، في باب شيب رسول الله صلى الله عليه وآله .
ومع ذلك، فقد ضل أقوام لم تشعر أفئدتهم بمحبة رسول الله، وراحوا يستنكرون التوسل بذاته بعد وفاته، بحجة أنّ تأثير النبي قد انقطع بوفاته، فالتوسل به إنّما هو توسل بشيء لا تأثير لـه البته.
وهذه حجة تدل ـ كما ترى ـ على جهل عجيب جداً فهل ثبت لرسول الله تأثير ذاتي في الأشياء حال حياته حتّى نبحث عن مصير هذا التأثير بعد وفاته ؟ إنّ أحداً من المسلمين لا يستطيع أنّ ينسب أي تأثير ذاتي في الأشياء لغير الواحد الأحد جل جلاله، ومن اعتقد خلاف هذا يكفر بإجماع المسلمين كلهم.
فمناط التبرك والتوسل به أو بآثاره ليس هو إسناد تأثير إليه والعياذ بالله، وإنّما المناط كونه أفضل الخلائق عند الله على الإطلاق، وكونه رحمة من الله للعباد، فالتوسل به وسيلة لقربه إلى الله، وبرحمته الكبرى للخلق.
وبهذا المعنى كان الصحابة يتوسلون بآثاره من دون أنّ يجدوا فيه أي إنكار.
وقد مر في هذا الكتاب ـ أي: فقه السنة ـ بيان استحباب الاستشفاع بأهل الصلاح