ـ(180)ـ
ولم تكن السنة في أي حال من الأحوال موضع جدل في حجيتها، ولكن الجدل كان في حجية الطريق إليها، ويتركز البحث بينهم في خبر الواحد هل هو حجة ام لا ؟ وما هي شروط حجيته ؟ فهل العدالة شرط فيه ليكون الفسق العلمي عنصراً سلبياً في الحجية، أم أنّ الوثاقة كافية في المخبر، أو أنها كافية في الخبر من حيث العناصر الداخلية والخارجية التي توحي بالوثاقة.
إنّ الإجابة عن هذه التساؤلات حول مسألة حجية خبر الواحد قد تحدد لنا الخط العريض للاجتهاد في نطاق السنة الشريفة، فإذا عرفنا أنّ الأكثرية هنا وهناك تكتفي بالوثاقة في المخبر أو في الخبر ولا تجعل العدالة شرطاً فإن النتيجة هي: أنّ من الممكن للمجتهد الشيعي أنّ يأخذ بخبر الثقة السني، كما أنّ من الممكن للمجتهد السني أنّ يلتزم بخبر الثقة الشيعي؛ لأن مسالة المذهبية لا ترتبط بالوثاقة، بل ترتبط بالعدالة.
وتبقى المسألة في إيجاد الأساس التوثيق هنا وهناك في شهادة العلماء بذلك، أو في دراسة تاريخ هذا الراوي أو ذاك، مما يمكن أنّ نتفق فيه على خطوط معينة في الجانب التطبيقي، باعتبار أنّ الوثاقة أمر عقلاني لا تعبدي، فيمكن الرجوع إلى السيرة العقلائية، أو بناء العقلاء في تحديد الأسس الواقعية للوثاقة في الخبر أو المخبر مما يتعارف السير عليه في حياة الناس العامة والخاصة، وبذلك يمكن أنّ يدخل الباحث الشيعي في حوار مع الباحث السني حول أخذ رواة أهل السنة في ميزان الوثاقة. كما يمكن للباحث السني ممارسة ذلك في رواة الشيعة بحيث لا يتوقف هذا أو ذاك عند الخصوصية السنية أو الشيعية في حساسية الرأي، بل ينطلقان مع المنهج الموضوعي في التوثيق، وربما كان هذا النهج أقرب السبل للوصول إلى الخط المشترك في الموضوع. وفي ضوء ذلك يمكن أنّ تكون المصادر الحديثية لأهل السنة أو الشيعة مصادر للشيعة أو السنة في عملية الاستنباط ولو بشكل جزئي من خلال الأخبار التي يرويها الثقاة هنا وهناك.