ـ(18)ـ
"الجامعة المستنصرية" التي لا زالت بنايتها قائمة، وأدت هذه الجامعة نفس الدور الذي كان للمدرسة النظامية في نشر الثقافة والعلوم الإسلاميّة.

بغداد مدينة التقارب والتعايش بين المذاهب الإسلاميّة
ينبغي القول عموماً: بأن بغداد كانت مدينة التقريب بين المذاهب، ومهد التفاهم والتعامل السليم لعلماء المسلمين وأئمتهم. ويمكن تلمس هذه النقطة بكل يسر من خلال الكتب المذكورة سلفاً، ولا سيما الفهرست لابن النديم، العالم المتحرر الذي كان على اتصال مع كافة علماء المذاهب. ويمكن أنّ يكون هذا الكتاب دليلاً وأنموذجاً جيداً للكتاب وعلماء المذاهب الإسلاميّة. حيث إنّ مؤلفة راعى الحياد التام والدقة المتناهية والبحث والتنقيب في آثار كافة المذاهب حتّى عصره. ويصرح في مكان آخر منه: بأن لـه علاقات صداقة مع بعض أئمة المذاهب.
ويوجد قرب بغداد مرقد الإمام موسى الكاظم والإمام محمّد الجواد عليهما السلام، وكذلك فيها وفي ضواحيها مراقد كثير من علماء الشيعة إلى جانب مرقدي اثنين من أئمة المذاهب الأربعة المعروفة عند السنة، هما: الإمام أبو حنيفة، والإمام أحمد بن حنبل. وهناك مرقد عبد القادر الجيلاني إمام الطريقة القادرية ـ وهي من أكثر الفرق الصوفية رواجاً في شرق العالم الإسلامي وغربه ـ ومراقد علماء آخرين من أهل السنة، وهذا مؤشر على حسن التجاور والتعايش بين الطائفتين. ويتوارد مع ذكريات عذبة وعلاقات علمية وثقافية بين المسلمين في عصرٍ ذهبيٍ مزدهرٍ من عصور الإسلام.
ومن نظر في كتاب "حقائق التأويل" (1).للشريف الرضي يعرف مدى اتصاله
___________________________________________________
1 ـ كتاب "حقائق التأويل في متشابه التنزيل" ويقال لـه : "حقائق التنزيل ودقائق التأويل" والأسف أنّه لم يظفر إلاّ على الجزء الخامس منه من أول قوله تعالى: [هو الذي أنزل اليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب? إلى آخر قوله تعالى: ?إنّ الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك? "الآية 48 من سورة النساء" وهو من أهم التفاسير، حكاه الخطيب في تاريخ بغداد.