ـ(14)ـ
البحوث الكلامية والعقلية والعقائدية في الإسلام من البصرة، ثم وجدت طريقها إلى نقاط أخرى. مضافاً إلى ذلك فإن البصرة تعد أول مركز للغة العربية وآدابها بعد الإسلام. وكان فيها مكان يدعى"المربد"، وهو ملتقى الشعراء والخطباء. مثله في ذلك في الإسلام مثل "سوق عكاظ" في العصر الجاهلي.
وظهر علم النحو في البصرة والكوفة على يد أبي الأسود الدؤلي ـ المتوفى سنة 69 هـ ـ بتوجيه من علي بن أبي طالب عليه السلام كما هو المعروف. فكانت المنافسة قائمة بين البصرة والكوفة في المسائل النحوية والصرفية، إذ كان لكل مدرسته الخاصة به.
وظهر علم القراءات والتجويد ووضع الحركات وعلامات الترقيم والعلوم القرآنية الأخرى من البصرة والكوفة بشكل مستقل، بالرغم من أنّ المصدر الأصلي لهذه العلوم هو مكة والمدينة. وتنافست مدرسة العراق الفقهية المبتنية على الرأي والقياس أساساً، والمتأثرة بالمنهج الفقهي لعبدالله بن مسعود مع مدرسة المدينة المرتكزة على الحديث. وكان على رأس مدرسة العراق الفقهية: الإمام أبو حنيفة المتوفى عام (150 هـ)، وعلى رأس مدرسة المدينة: الإمام مالك بن أنس المتوفى بن أنس المتوفى عام (179 هـ).
وكان الاختلاف قائماً بين الاثنين، كما كانت هناك مراسلات علمية بينهما، أو بين الإمام مالك وأصحاب الإمام أبي حنيفة.
الخلفية العلمية والثقافية لبغداد:
تأتي بغداد بعد البصرة والكوفة، بالإضافة إلى مدينة واسط التي شيدها حاكم العراق الدموي "الحجاج بن يوسف الثقفي" ـ المتوفى سنة 94 هـ ـ في الطريق بين بغداد والبصرة. وكان لها دورها في الثقافة الإسلاميّة. وشيدت مدينة الألف ليلة وليلة بأمر ثاني الخلفاء العباسيين أبي جعفر المنصور الدوانيقي وتخطيطه في أواسط القرن الثاني وظلت بغداد طيلة الحكم العباسي ـ الذي استغرق خمسة قرون ـ قبلة العلماء، ومثوى الخلفاء، ومثابة الدعوة الإمامية القرشية، ومركز تقاطرهم وتوافدهم عليها في