ـ(88)ـ
يشاؤون، فهم لم يخلقوا ويستخلفوا في الأرض إلاّ ليعبدوا الله سبحانه حق عبادته، والعبادة في المفهوم الشامل في النظر الإسلامي تعني: الالتزام بكل ما شرع الله سبحانه من قواعد وأحكام لتنظيم الحياة الإنسانية بكل معانيها... وهذا الذي شرعه الله سبحانه جاء لخير الناس ومصالحهم، وليس لمصالح تعود عليه جل وعلا.
قال تعالى (وما خلقت الجن والإنس إلاّ ليعبدون ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون)(1)، وإذا لم يفعل المستخلفون ذلك لم يعودوا أهلاً للاستخلاف؛ لأنهم لم يحققوا شروطه. فحياتهم خاضعة لشروط المملك الأصلي وتعليماته، وإذا تصرف الوكيل تصرفاً مخالفاً لشروط الموكل وقع تصرفه باطلاً، ولم تترتب عليه آثاره المقررة أصلاً. هذا بالإضافة إلى أن الإنسان سيحرم نفسه مما ستحققه هذه القواعد والأحكام من خير ومصلحة له في الدنيا والآخرة. قال تعالى: (فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى _ ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً ونحشره يوم القيامة أعمى)(2).
من هذا البيان يظهر لنا: أن الحقوق المقررة للأفراد والجماعة في النظر الإسلامي إنما هي: منح إلهية مقررة بفضل من الله سبحانه للإنسان من أجل أن يحقق بها مصالحه الدنيوية والأخروية، فهي ليست حقوقاً طبيعية لأصحابها، ولا هي منح من المجتمع أو القانون الذي تضعه الأمة، فليس للمجتمع أو للدولة التي تمثله أن تتعرض للفرد في حقوقه ما دام يلتزم بشروط المانح وأوامره.
ومن هنا، فلا مجال في الشريعة الإسلاميّة لتصور الحقوق المطلقة التي لأصحابها الحرية الكاملة في استعمال هذه الحقوق وفق أهوائهم؛ ذلك أن هذه الشريعة وحي الله سبحانه الرحيم بالناس عامة، والعليم بعاجل حوائج الناس وآجلها، المتصف بصفات الكمال عدلاً وعلماً وحكمةً، والذي يشرع لمصلحة البشر أجمعين على
__________________________
1 ـ الذاريات: 56 و 57.
2 ـ طه: 123 و 124.