ـ(37)ـ
إن هذه النقاط الخمس التي ذكرناها إن وضعنا بعضها إلى جانب الآخر وجدنا أن القرآن الكريم في الوقت الذي كان يسعى إلى تصحيح انحرافات أهل الكتاب ودعوتهم لدخول الإسلام والالتزام بدين الحق في نفس الوقت كان يسعى أيضاً لإيجاد صف واحد من المؤمنين بالله والوحي والرسالات واليوم الآخر؛ ليكونوا في مواجهة صف الشرك والوثنية والإلحاد، ولولا موقف جهود الجزيرة العربية من ناحية وموقف الطغاة الحاكمين في أوساط النصارى والمجوس لو جدت هذه الدعوة آذاناً صاغية في أوساط أهل الكتاب من اليهود والنصارى والمجوس والصابئة.
ويؤكد هذا الفهم التعاطف النفسي والروحي الذي كان يشعر به المسلمون تجاه أهل الكتاب، وخصوصاً النصارى منهم، كما تشير إلى ذلك القصة التي تشير إليها الآية في أول سورة الروم: (الم غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين)(1)، حيث يذكر التاريخ: أن المشركين أظهروا الشماتة، وأثاروا الشبهات حول الإسلام عندما تعرض الروم إلى هزيمة على أيدي الفرس، حيث كانوا يصنفون إلى جانب الوثنيين لعبادتهم النار، بخلاف الروم النصارى.
وكذلك القصة التي تحدثنا عن موقف ملك الحبشة تجاه المسلمين، ورفضه لطلب المشركين تسليم المسلمين إليهم، وبعد ذلك الرعاية الخاصة التي وجدها المسلمون في الحبشة. كما يؤكد ذلك تعايش أهل الكتاب بشكل عام، وخصوصا النصارى منهم مع المسلمين في مختلف أدوار الدولة الإسلاميّة وأقطارها، بحيث كانت تتم الرعاية لهم والتعايش معهم أحيانا أكثر من رعاية بعض فرق المسلمين المعروفة.
وهذا الفهم يفرض علينا في هذا العصر موقفاً سياسياً وثقافياً واجتماعياً تجاه أهل الكتاب، وخصوصاً النصارى منهم في العالم المسيحي، والكنائس المختلفة المتعددة، وضرورة التمييز بين الموقف الاستعماري أو الصليبي لهذا العالم، والحقيقة.
______________________________________
1 ـ الروم 1 ـ 2.