ـ(238)ـ
وهذه النظرية قد انتصر لها جمهور كبير من علماء الأجناس، وعلماء الإنسان، وعلماء النفس، ومن أشهر مشاهير هم:(لابخ) الذي أثبت وجود عقيدة(الإله الأعلى ) عند القبائل الهمجية في استراليا وأفريقيا، وأمريكا، ومنهم "شريدر" الذي أثبتها عند الآرية القديمة، و"بروكلمان" الذي أكد وجودها عند الساميين قبل الإسلام، و"لروا" و"كاترفاج" عند أقزام أواسط أفريقيا، و"شميت" عند الأقزام وعند سكان أستراليا الجنوبية(1).
وهكذا نرى: أن التوحيد الفطري توحيد مشترك بين المخلوقات كلها، يستوي فيه الإنسان مع غيره. ومن هنا، فلا يترتب على مثل هذا التوحيد أوامر أو نواه، كما لا تبتنى عليه أحكام تشريعية: كالميراث أو غيره، وبالتالي فليس هناك مسؤولية من ثواب أو عقاب؛ لأن مناط ذلك هو العقل والإدراك، والأمر هنا منوط بالفطرة والغريزة. وعلى هذا، فإن الاعتراضات التي أرودت على تفسير الفطرة بالإسلام كأن تقولوا بأن الإسلام فرائض وأركان، وواجبات ووعي لوجود الله، وفهم حياة كل مخلوق في شؤونه الخاصة، وفي صلته بخالقه حسب ما تشير إليه الآية:(وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون)(2).
فالهداية الفطرية الإنسانية تشمل معرفة مجملة بالخير والشر، والتقوى والفجور، وذلك ما يفهم من صريح قوله تعالى:(ونفس وما سواها...)(3)، وقوله تعالى:(وهديناه النجدين)(4). ولعل من هذا القبيل ما ورد في قول الرسول ـ صلى الله عليه وآله ـ:( عشر من الفطرة ). وحيث قال في ليلة الإسراء والمعراج عندما فضل
____________________________________
1 ـ راجع المدخل لدراسة الأديان لمحمّد بن فتح الله بدران، واليهوديّة أنثروبولوجيا للدكتور جمال حمدان، وتأريخ العرب قبل الإسلام للدكتور جواد علي.
2 ـ النحل: 68.
3 ـ الشمس: 7.
4 ـ البلد: 10.