ـ(134)ـ
العصمة:
1 ـ لقد بُعث أنبياء الله تعالى ليبينوا للناس منافعهم، إذ لولاهم لما عرف الناس مصلحتهم ولما انتفعوا بها، وعلى هذا الأساس فإن بعثة الأنبياء بنفسها مصلحة كبرى للمجتمع، وقد ثبت أن الله سبحانه أوجب على نفسه ـ وفقاً لمقتضى اللطف ـ أن يؤدي كل مصلحة بأتم صورةٍ، ونحن نعلم: أن الأنبياء إذا كانوا معصومين فإن كلامهم سيكون أكثر تأثيراً، ويجد مكانه من القبول في النفوس، وتأسيساً على ذلك فإن الأنبياء ينبغي أن تكون لديهم هذه الحالة من العصمة(1).
2 ـ بما أن معجزات الأنبياء تدل على صدق دعواهم فإن ذلك يقتضي أن يكون الأنبياء معصومين من ارتكاب الكذب والذنب، فكما أن المعجزة تدل على نفي الكذب في تأدية الرسالة بدون واسطة فإنها كذلك تدل على نفي المعاصي بواسطة، علماً بأن النبي عندما يأتي بالمعجزة فذلك دليل على تأييد الله وتصديقه له، ولو قدر للنبي أن ينسب شيئاً إلى الله كذباً ـ لا سمح الله ـ فهذا يعني: أن الله يصدق ويؤيد الكاذب، وهذا قبيح بحد ذاته. وأما فيما يتعلق بسائر الذنوب التي لا تمت بالرسالة بصلة فنقول:
إن المعجزة تدل على أنه ينبغي أن يتبع النبي ويصدق في كلامه، ولما كان ارتكاب الذنب باعثاً على النفور عنه ولا يستطيع الإنسان أن يتبع إنساناً مرتكباً للخطيئة باطمئنان خاطر وراحة بال لذا فإن المعجزة تدل على نفي المعاصي عن الأنبياء بواسطة. وقد استدل السيد المرتضى ـ رحمه الله ـ بهذا الدليل المتقدم في كتبه الكلامية(2).
3 ـ لو قدر للأنبياء أن يبدر الذنب منهم فلا يصح ـ حينئذٍ ـ الاقتداء بهم في ارتكاب مثل هذا الذنب؛ لأن ارتكاب الذنب حرام، مع أن الاقتداء والتأسي بهم واجب بإجماع الأمة وبنص الآيات القرآنية.
_______________________________________________________
1ـ القاضي عبد الجبار، المغني 15: 302.
2 ـ السيد المرتضى، تنزيه الأنبياء: 3.