ـ(114)ـ
أن ذمته مشغولة فهو شيء آخر غير العهدة، وهذا لا يزول ولا يسقط بالموت.
إذن، الصحيح ما قلناه سابقاً من: أن الذمة تبقى بعد الموت صحيحة إلى أن توفى الديون، أو يبرأ من قبل الدائنين، أي: يتبرع عنه متبرع، أو يضمن من قبل شخص حي ويقبل الدائن. والدليل على ذلك ـ بالإضافة إلى ما تقدم من أن الذمة وعاء اعتباري يعتبره العقلاء، والاعتبار سهل المؤونة، فيكون بعد الموت أيضاً ـ ما ورد في الحديث النبوي الشريف:( إن ذمة الميت مرتهنة بدينه حتى يقضى عنه)(1).
نعم، بالموت يخرج الإنسان عن صلاحية المطالبة في الدنيا، كما لا يجب عليه الأداء؛ لعدم تكليفه، لكن هذا لا يوجب عدم بقاء الذمة وصلاحيتها لأن تشتغل بالدين، وقد وردت صحة أن تشغل ذمة الميت بدين جديد متفرع عن سبب سابق: كما لو باع شخص شيئاً وتوفي ورد بعد الموت بعيب فيه، فإن ذمة البائع تشتغل بثمنه الواجب الرد. وكذا لو باشر في حياته سبباً من أسباب الضمان: كمن حفر حفرة في الطريق العام ثم مات فتردى حيوان في الحفرة بعد موته، فإن ذمة الحافر تشتغل بضمان قيمة الحيوان فتؤخذ من تركته.
والى هذا الرأي ذهب الشافعية(2)، وهو رأي المالكية وفريق من الحنابلة أيضاً(3).
ومما تقدم ـ أيضاً ـ يبطل القول الحنفي القائل: إن الذمة تضعف بالموت ولكن لا تنهدم، أي: يبقى للذمة ما تقتضيه الضرورة، وهذا الضعف يبدأ من مرض الموت، لذا توثق الديون التي على الميت بتعلقها بماله تقوية لذمته.
_______________________________________________
1 ـ الحديث أخذ عن كتاب الفقه الإسلامي في ثوبه الجديد 3: 228. والظاهر أنه لم يرد في كتب الإمامية مثل هذا النص، إلاّ أنه موافق لنصوص كثيرة تؤيد هذا المعنى. وفي سند الترمذي 3 : 389 باب الجنائز:(نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه).
2 ـ حاشية الرملي على إسناد المطالب 1: 235 عن الفقه الإسلامي في ثوبه الجديد 3: 229.
3 ـ الفقه الإسلامي في ثوبه الجديد 3: 229.