ـ(104)ـ
بين الذمة والعهدة.
ثالثاً: وهناك تعريف ثالث للذمة ذكره القرافي من فقهاء المالكية في كتابه( الفروق) فذهب إلى: أن معنى الذمة جعله الشارع مسبباً عن أشياء خاصة منها: البلوغ، ومنها الرشد، فمن بلغ سفيهاً لا ذمة له. ومن حجر عليه فقد ذمته كالمفلس(1).
فقد ذهب القرافي بالذمة إلى معنى أهلية الأداء الكاملة التي تشترط لصحة التصرفات ونفاذها، وتتوقف على البلوغ، وتنسلخ بالحجر، إذ من المقرر أن كلاً من المفلس والمحجور والطفل الوليد غير المميز يتمتع بأهلية وجوب كاملة تثبت بمقتضاها الحقوق له وعليه؛ فيرث ويملك ما يوهب له، ويضمن قيمة ما يتلف، وتجب عليه النفقة لو كان غنياً.
فقولـه بأن: الصغير والسفيه والمفلس المحجور عليه لدين لا ذمة لهم، ومعناه: أنه ليس لهم أهلية أداء تصح معها تصرفاتهم(2).
ويرد على هذا المعنى للذمة ما تقدم على السنهوري من: أن الذمة هي المحل المقدر لأهلية الإنسان لأن تكون عليه حقوق. إضافة إلى أن الذمة ربما يقال بارتباطها بأهلية الوجوب لما ذكر من الملازمة، فقد يفضل الإنسان ويقول: إن الذمة هي أهلية الوجوب، ولكن لا معنى لارتباط الذمة بأهلية الأداء والتصرفات، فلا معنى للقول بان الذمة هي مرتبطة(أو ملازمة) بأهلية الأداء، إذ من الواضح أن من لا تصح تصرفاته المالية لفلس أو حجر له ذمة تتعلق بها الحقوق عليه، كما لو أتلف مال غيره مثلاً.
ثم إن هذه التعاريف الثلاثة للذمة تذهب بالذمة إلى: أنها شيء افتراضي(مقدر الوجود) وهي شيء صحيح.
_________________________________________
1 ـ الفروق، الفرق الثالث والثمانون والمائة 3: 231.
2 ـ الفقه الإسلامي في ثوبه الجديد 3: 218.