/ صفحه 82/
ويستفاد مما ذكره هذا المؤلف وما حققه بعض الثقات من علماء الغرب في هذا الصدد أن جميع أنواع الصيام عند المانوية، سواء في ذلك صيامهم الأسبوعي وصيامهم الشهري وصيامهم السنوى، كانت قائمة على الإعتبارات نفسها التي كان يقوم عليها الصيام عند الصابئين، أي على تكريم الكواكب وعبادة الأفلاك السماوية، وخاصة الشمس والقمر اللذين كانوا يعتبرونها كبيرى آلهتهم.
وتقدم لنا كذلك الديانات الهندية، وخاصة البرهمية والبوذية، أمثلة كثيرة للصيام ذي المواقيت الدورية المتصل بظواهر الفلك وخاصة ظواهر الشمس

ــــــــــ
(1) هو ((زيوس) أو ((جويتر)) أو كوكب المشتري، على ما ظهر من سياق كلامه وما ذكره في موطن آخر عن صفات هذا الكوكب.

والقمر. فقد فرضت شريعة البرهمين الهندية على طبقة الكهنة (التي يطلق على أفرادها إسم البراهمة) الصيام يومى الاعتدالين، وهما أوّل فصلى الخريف والربيع، ويومى الانقلابين، وهما أوّل فصلى الشتاء والصيف، واليومين الأول والرابع عشر من كل شهر قمري، اى فى مبدأ ظهور والهلال وعندما يصير بدارً. وتوجب شرائع مانو (وهي التي يتألف هنها أهم قسم من شرائع الديانة البرهمية) على طبقة السناتا Sanatakas، وهم كبار الكهنة من البرهمين، أن يكفوا عن الأكل والشرب والنوم والسفر من غروب الشمس الأحمر كل يوم.
وقد فرضت ديانة البوذيين الصيام من شروق الشمس إلى غروبها في أربع ايام من أيام الشهر القمرى يسمونها أيام ((اليوبوذانا Upisata))، وهي اليوم الأوّل والتاسع والخامس عشر والثاني والعشرين، أي في مبدأ كل منزلة من منازل القمر الأربع، كما أوجبت فيها الراحة التامة، وحرمت مزاولة
أي عمل حتى إعداد طعام الإفطار. ولذلك يعمل الصائمون على إعداد طعام إفطارهم قبل شروق الشمس من كل يوم من هذه الأيام الأربعة.
وفي الديانة اليهودية أمثلة كثيرة لهذا النوع من الصيام وهو المرتبط بظواهر فلكية وبمواقيت دورية تتكرر كل أسبوع أو كل شهر أو كل عام. فمن ذلك صيام اليوم العاشر من الشهر السابع العبرى (يوم ((كبور)) أو يوم الكفارة).
وقد كتب هذا الصوم على اليهود للاستغفار وطلب العفو عن الخطايا بنصوص صريحة في التوراة نفسها(1).

ـــــــــ
(1) أنظر سفر العلاوبين فقرة 29. وتوابعها من الإصحاح السادس عشرة و 27 وتوابعها من الإصحاح الثالث والعشرين. وأنظر كذلك سفر العدد: فقرة 7 من الإصحاح التاسع والعشرين.