/ صفحه 6/
شبهتان لخصوم الإسلام:
ويجدر بنا قبل أن ندخل في تفصيل هذا الإجمال أن نقدم مقدمة تتضمن أمرين نرى الكلام عليهما ضروريا قبل الحديث عن سورتى الأنفال والتوبة، لاسيما وقد اتخذ منهما خصوم الإسلام وسيلة للطعن في الإسلام محاولين بذلك أن يثيروا على النّاس فتنا تصرفهم عن هذا الدين، وتصوره لهم بصورة كريمة منافية لما نتشدق به ألسنة هذا العصر من محبة للسلم، ورأفة بالإنسانية مما يقولونه بأفواههم وتنكره أعمالهم.
الشبهة الأولى في سبب الحرب:
الأمر الأوّل: قالوا: إن الإسلام بمشروعية الحرب اتخذها سبيلا لإكراه النّاس على اعتناقه فهو لم ينتشر إلا بحد السيف ولم تتقبله الأمم إلا تحت سلطان القهر والإلجاء.
الشبهة الثانية في سبب غزوة بدر:
الأمر الثاني: قالوا: إن المسلمين لم يخرجوا حين خرجوا لغزوة بدر باسم الانتصار للدين أو إعلاء كلمة الله وللدفاع عن النفس أو المحافظة على الوطن، وإنما خرجوا في هذه الغزوة كما خرجوا في سراياهم من قبل قاصدين السلب والنهب وقطع الطريق على تجارة قريش التي كانت تتردد في ذلك الحين بين مكة والشام، وقد اضطروا بظروف خارجة عن تفكيرهم وتدبيرهم إلى الالتحام في هذه المعركة مع أرباب الأموال الذين خرجوا للدفاع عن أموالهم.
منشأ الشبهتين:
هاتان شبهتان أثارهما خصوم الدين، تتصل إحداهما بمشروعية الحرب في الإسلام، وتتصل الأخرى بالخروج إلى بدر. وعند التأمل نجد أن منشأ الشبهتين عند هؤلاء الخصوم أمر واحد، هو اقتران ظهور الدين الإسلامي وانتشاره بالحرب التي وقعت في أيام الدعوة بين المسلمين وغيرهم، واقتران غزوة بدر بحادثة العير الراجعة من الشام.