/ صفحه 373/
ولا تستطيع أن نؤمن بأن خطب أمين الريحاني قطعت كل صلة لها بالأساليب القديمة، بل نقولها واضحة جلية: إن خطيباً أو كاتباً أو شاعراً لن يستطيع أن يكون شيئاً إذا قطع كل صلة بالأساليب القديمة.
ومما لاحظته، أن كل كاتب أن شاعر حين يريد أن يبدي رأيا في القديم والجديد ينظر إلى نفسه أولا، فما يجيده فهو الجيد الذي لاجيد غيره، وما لا يحسنه فهو القديم البالي الذي يجب أن يطرح.
ولقد صرح الدكتور طه سين بهذا الرأي فيما يتصل بشاعر مهجري هو إيليا أبو ماضي، حين رأى أنه يخرج على قواعد النحو ويستهين بها، فقال: إنه اتخذ هذا الضعف مذهبا، وردد هذا الرأي صاحب كتاب ((لبنان الشاعر)) فرأى أن شعراء المهجر آنسوا ضعفهم في اللغة ويأسهم من إصلاحها، فلم يجدوا بدا من أن يتخذوا هذا الضعف مذهبا، وآية ذلك ففصل للأستاذ ميخائيل نعمية في الغربال تحت عنوان: ضفادع الأدب(1).
وقد أشرت في حديثي السابق إلى رأي بعض شعراء المهجر، ومتابعة الأستاذ العقاد لهم، في بعض الجزئيات، أشرت إلى تحكيمهم أذواقهم وآراءهم في ألفاظ اللغة، وهنا أشير إلى نفس الصنيع في عبارات اللغة، ولئن كان الدكتور طه حسين والناقد صلاح لبكى، قد وصما شعراء المهجر بأنهم اتخذوا ضعفهم في قواعد اللغة مذهبا، فإنني أعمم هذا الحكم، وأقول إن أكثر أدبائنا يتخذون مما يستطيعونه مذهباً، فالجيد ماكان في قدرتهم أن يقولوه، والردىء ماعجزت طاقتهم عنه.
وهذا وذاك اتجاه خطير في اللغة وآدابها، ولن تستطيع النقد أن يفيد أدبنا إلا إذا تجرد من أهواء النفوس، وإلا إذا أدرك كل ناقد وكل أديب أنه بانتصاره ـ دائماً ـ لنفسه، إنما يجني على أعز مقدساتنا، وهي لغتنا العربية الخالدة.
وهؤلاء النقاد الذين يدافعون عن الشعر حين يخرج على قواعد اللغة إنما يغالطون، فهم يقارنون بين أديب التزم قواعد النحو والصرف ولا روح فيه، وبين

ــــــــــ
(1) لبنان الشاعر ص 149.