/ صفحه 371/
السكان ـ فيه ـ عن ديارهم، أو تلحق هذه الديار عوادي الزمن فتثير الحزن والألم في نفوس محبيها... هذا ليس بعيب، وإنما العيب أن يترسم الشاعر خطي شعراء الجاهلية، فيبكي داراً غير موجودة، أو يقف على طلل لا حقيقة له، أو يبتدىء بهذا البكاء قصيدة في غرض آخر على طريقة المتقدمين.
هل نحجر على شاعر من فلسطين ـ مثلا ـ تسلل ودخل قريته التي يحتلها اليهود ووقف على داره التي نشأ فيها يبكي ويستبكي؟ وهل نعيب شاعرا من ((أجادير)) رجع من رحلة بعيدة، فوجد دار أحبابه أكواما من التراب فذرف عليها الدموع؟.
إن النقاد يعدون من عيون الشعرر العربي قصيدة الدكتور إبراهيم ناجي التي عنوآنها((العودة)) وفيها يقول:
رفرف القلب بجنبي كالذبيح * * * وأنا أهتف يا قلب اتئد
فيجيب الدمع والماضي الجريح * * * لِم عدنا؟ ليت أنا لم نعد
لِم عدنا؟ أو لم نطو الغرام * * * وفرغنا من حنين وألم
ورضينا بسكون وسلام * * * وانتهينا لفراغ كالعدم
آه مما صنع الدهر بنا * * * أو هذا الطلل العابس أنت؟!
والخيال المطرق الرأس أنا * * * شد ما بتنا على الضنك وبت؟!
أين ناديك وأين السمر * * * أين أهلوك بساطا وندامى
كلما أرسلت عيني تنظر * * * وثب الدمع إلى عيني وبت؟!
والبلي أبصرته رأي العيان * * * ويداه تنسجان العنكبوت
صحت ياويحك تبدو في مكان * * * كل شىء فيه حي لا يموت
ولا أظن أن ناقدا يستطيع أن ينكر على ناجي هذا الخطاب ((للطلل العابس))
فليس ـ إن ـ العيب في بكاء الأطلال، ولا في التعبير بهذه العبارات التي تؤدي نفس المعاني التي كانت تؤديها في العصر الجاهلي، وهي صادقة في الحالتين، وإنما العيب ـ حقيقة ـ في التقليد الذي يبدو أن الغاية منه هي التقليد، ولا غير.