/ صفحه 313/
والله تعالى قويم، لأنه قائم بنفسه، ومقيم لغيره، وهي صفة تلخص جميع فنون التصريف، وألوان التدبير في الخلق، وهي أبلغ من القائم والقوام والقيم; بحكم الصيغة التي يعرفها أهل الذوق العربي.
ولما كانت حياة الحي، وقيومية القيوم، لا تدل بطريق مباشر على استمرار التيقظ لكل شىء، واتفاء الغفلة ولو في فترة ما، جاءت جملة أخرى تصف الله تعالى بأنه لا تأخذه سنة ولا نوم، أي أن حياته وقيوميته لا تفتران في وقت ما، فلا يمكن أن تغالبه سنة، وهي تباشير النوم وأوائله، وحينما يقبل على الجفون فيداعبها. ولا نوم، وهو أشد من السنة قهراً للأحياء، وغلبة عليهم، وأخذاً لهم، فهذا وذاك منفيان عن الله تعالى، على سبيل الترقي من الأدنى إلى الأعلى.
ثم جاءت الجملة الرابعة تقرر ملك الله لكل ما في السموات وما في الأرض، وتعرير الملك شىء جديد بعد إثبات الحياة والقيومية الكاملين.
ثم تأتي الجملة الخامسة منكرة أن يكون لأحد أمر مع هذا المالك الحي القيوم فتقول: ((من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه)) وقد كانوا يعتقدون أن ما يتخذونه من آلهة، سيكونون شفعاءهم عندالله، فأنكر الله عليهم ذلك; لأن شفاعة الشافع إما أن تكون دلي سلطان عادل، أو سلطان جائر، فإن كانت عند سلطان عادل فشأن الشافع أن يقول له: إنك فعلت ما فعلت، اعتقادا منك بأنه هو المصلحة، ولكنني أعلم أن هذا الذي أشفع فيه معذرو بكذا، أو لم يقصد كذا، فإذا قبل منه صاحب السلطان ذلك، كان هذا لأنه علم مالم يكن يعلم من أمر المشفوع فيه، وهو أمر لا يليق بالله تعالى، إذ هو الجهل بعينه.