/ صفحه 312/
وخضوعا لمصدره، أو هي بتعبير آخر مزيج من الشعور بالعظمة والقوة والكمال وتمام الإحسان، ولذلك تتخذ صوراً من الثناء على الله بالقول حيناً، وبالانحناء ركعا وسجودا، وبالذكر والشكر تأملا وعرفانا، اعترافا بأنه تعالى هو العظيم وهو الوهاب.
اقرءوا في النوع الأول من الصفات التي وصف الله بها نفسه في القرآن:
((وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم)) فهي تثبت ((الوحدانية)) مع الرحمة الشاملة، واقرءوا:
((الله لاإله إلا هو، الحي القيوم، لا تأخذه سنة ولا نوم، له ما في السموات وما في الأرض، من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه، يعلم مابين أيديهم وما خلفهم، ولا يحيطون بشىء من علمه إلا بما شاء، وسع كرسيه السموات والأرض، ولا يؤوده حفظهما، وهو العلي العظيم)).
عشر جمل متتابعة في آية واحدة، وهي: آية الكرسي المشهورة التي ذكرت الأحاديث النبوية فضلها، وتحدثت عن بركاتها في التحصين والحفظ، وأنها تشتمل على أسم الله الأعظم، فأول جملة منها: هي إثبات الوحدانية: ((الله لاإله إلا هو)) أي ليس في الوجود من له سلطة مطلقة يفعل بها ما يشاء، دون قيد ولا عجز، ويستحق بمقتضى ذلك أن ينفرد بالعبودية إلا واحد هو الله ـ وهذه هي الحقيقة الأولى التي جاءت الأديان، وبعثت الرسل، وأتزلت الكتب لتقريرها.
والجمل التسع التالية لهذه الجملة الأولى، هي: احتجاج لهذه الحقيقة، وبراهين على ثبوتها، فالله هو الحي القيوم، والحياة تختلف باختلاف المتصفين بها، فحياة النبات نوع من الحياة، وحياة الله تعالى هي أكمل حياة، لأنه هو واهب الحياة لكل من سواه وما سواه، ولأنهم جميعاً مستندون في حياتهم إليه، وليس هو مستنداً في حياته إلى شىء، ولأن حياته لا تنقطع، وكل حي يدركه الفناء، كما أن حياته أزلية لا أول لها، وحياة غيره محدثة بعد أن لم تكن.