/ صفحه 307/
رجل من الأنصار كان لا يسبق جعل ينادي: هل من مسابق؟ ألا رجل يسابق إلى المدينة؟ فأعاد ذلك مراراً، وأنا وراء رسول لله(صلى الله عليه وسلم) مردفي فقلت له: ماتكرم كريماً ولا تهاب شريفاً؟ قال: لا إلا رسول الله(صلى الله عليه وسلم)، فقلت: يا رسول الله بأبي أنت وأمي خلني فلأسابق الرجل، فقال: إن شئت، فقلت: أذهب إليك، فطفر عن راحلته وثنيت رجلي فطفرت عن الناقة، ثم إني ربطت عليه شرفاً أو شرفين، يعني استبقيت نفسي، ثم إني عدوت حتى ألحق فأصك بين كتفيه بيدي، قلت: سبقتك والله إلى فوزه أو كلمة نحوها، قال: إني إن أظن حتى قدمنا إلى المدينة.
قلت: إن المادة أو المال الذي من أجله أو عبت فزارة وغطفان عشرون ظهراً كانت ترعى في الغابة، فهي غزوة الغابة أو غزوة ذي قرد، والفرسان الذين كانوا على رأس الحملة أربعون لا يزيدون، والقتلى الذين انجلت عنهم غيابة ذلك اليوم يعدون على الأصابع، بل إن قتلى المسلمين يعدون على أصبع واحد، فلم يستشهد منهم غير محرز بن نضلة الملقب بالأخرم، ولقد كان استشهاده اختياريا، إذ رأى فيما يرى النائم أنه اخترق السبع الطباق إلى العرش فسدرة المنتهى، فأولوها له بأنه مستشهد عما قريب، فكان متعجلا أن يدخل الجنة، ولولا أنه قدر وكتاب مؤجل لمنعه سلمة بن الأكوع أو لا متنع هو حتى يلحق به أصحابه، فإذا نحن نظرنا في المسألة من حيث أسبابها، ومن حيث الطائفتان اللتان اقتتلتا، ومن حيث الخسائر في الأرواح والأموال لوجدناها مسألة صغيرة واحد متحصن، وليكن جبانا، لكفيل أن يفعل أضعاف أضعاف جند الطائفتين وقوادهم يوم ((الغابة)) وماذا يغني ابن الأكوع وأبو قتادة وأبو دجانة وألوف الألوف من مثالهم بسيوفهم ورماحهم لو أن الله سبحانه أعادهم إلى هذه الدنيا كرة أخرى؟ إن عُصُر الشجاعة الإنسانية أمست خوالي تزجي بحديثها الليالي والأيام الفارغة، نحن يا سيدي الشيخ في عصر العلم المادي، والفن المادي، والشجاعة المادية، على سبيل المجاز، وإنما أعنى الطاقة غير المدركة أو غير العاقلة، فإن القذيفة النووية ليس بها حاجة إلى عصب ابن الأكوع، أو عضل ساقيه، أو ذراعيه، أو إلى بسالة أبي قتادة، أو إلى أليسية علي بن أبي طالب(عليه السلام)، تلك صحف قد انطوت، وليس من عادة الدهر أن يعيد صحف الماضي.