/ صفحه 27/
وقد ذكر المؤرخون أنه جرى ذلك النوع من التعاون في مصر في أوّل الفتح الإسلامي، فقد حكى ابن عبدالحكم في تاريخه أن كل قرية كانت تتعاون فيما بينها، فتوزع الأرضون على الأقوياء، ثم توزع الغلات من بعد ذلك بعد دفع الخراج، على كل سكان القرية كل بمقدار ما تحت حوزته من أرض، ويخرج نصيب الضعفاء من القرية وما يضعف عن زراعة ما عهد إليه مزارعته يعاون بغيره من القادرين.
وقد كانت عدة قرى أحياناً تتعاون ذلك النوع من التعاون، ولكن عهود الظلم من بعد ذلك جرت ذلك التعاون إلى الظلم، فجذبته إلى الشر بعد أن كان متجها إلى الخير والقوة، فإنه وجدت في عهد المماليك والعثمانيين الالتزامات، بأن يلتزم شخص أو أشخاص خراج عدة قرى، ويتصرفون في الأرض ومن عليها كما يشاءون فانظر كيف ابتدأ الأمر خيراً جماعياً منتجاً، ثم حوله الشر إلى استبداد فردى ظالم، ولله عاقبة الأمور.
وقد أزال الله سبحانه وتعالى من دولة الالتزام بدولة محمّد على الذي جعل مصر كلها مزرعة خاصة له، ولكن الله سبحانه لم يمكنه فقد عادت الملكية الخاصة في الدائرة الشرعية، ونريد أن يعود التعاون في صورة أوضح وأقوى، وأشد أثراً وأقوى توجيها، مع بقاء الحقوق الخاصة من غير أن تمس فإن ذلك أمر جوهري.