/ صفحه 254/
الزواج، فقد تراضي فيه الطرفان، وأتيا بالصبيغة التي تدل على رضاهما، وفيه المهر الذي تراضيا به وكان ذلك أمام الشهود، وبرضا ولي الزوجة، فلا موجب لفساده ومنعه.
وأما المانعون لنكاح التحليل فيرون أن قصد الزوجين ليس هو حقيقة الزواج، وإنما القصد إحلالها للزوج الأول، فلم يدخلا على نية التأبيد والبقاء، وإنما دخلا على أن يكون ذلك في ليلة أو بعض ليلة ليحلها لزوجها الأول، ثم يطلقها فترجع له، وأن كل ما يحيط بهذا العقد يجعله مهزلة لا حقيقة زواج، فلم يبحث الزوج عما تبحث عنه الأزواج من خلق الزوجة ودينها وعفافها وحسن قيامها على الأولاد وحسن رعيتها للبيت، وبالجملة لم يبحث عما تعارف الناس على البحث عنه من دينها ومالها ونسبها، كذلك لم تبال هي به، ولم تبحث عن غناه وعلمه وخلقه ونسبه.
ولم يدخلا على أن يسكن كل منهما لصاحبه، وأن تكون بينهما المودة والرحمة تلك المعاني التي أشار الله إليها بقوله: ((ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون)).
إن الزوجين يفرحان بعقد الزواج ويعلنانه، ويفخر كلاهما بصاحبه، أما نكاح التحليل فالزوجان فيه يخجلان منه ويسترانه ويتواصيان بالكتمان، وتخجل الحليلة منه إن عليم به الجيران والأهل والأصحاب.
فإن قيل: قد قال الله تعالى في حق المطلقة ثلاثا: ((فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجاً غيره)) فهذا فيه إجازة نكاح التحليل، قلنا: إن المراد حتى تنكح زوجاً غيره نكاح رغبة، نكاحاً معتاداً، يراد للدوام والاستمرار، لا نكاحاً صوريا ليس فيه من النكاح إلا صورته، فأما معناه وحقيقته من سكون كل منهما إلى الآخر، ومن التواد والتراحم والتحاب فليس منها في قليل ولا كثير، ويدل على ذلك أن من مقاصد الشرع أن يصون المرأة ولا يعرضها على كثير، فليس في عرضها ما يصلح أن يكون غرضا.