/ صفحه 248/
وإلى أن هذ الحياة هي ميدان العمل، والإنسان لا يدري متى يحل أجله، وعسى أن يكون قريبا، وعندئذ يكون الحشر، ويكون السؤال والجزاء، أمران لابد أن يحذرهما الإنسان: مسارقة الهوى، ومسارقة الأجل، وفيهما ييقول الله: ((واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون)) وفي جو الأمر بالاتسجابة، وتقوية العزيمة فيما يحييهم، يرشدهم إلى اتقاء ناحية كثيراً ما تكون سبباً في عموم البلاء، ولا يقتصر شرها على من يلهب نارها، هي السكوت عن الفحشاء والمنكر يشيعها في الأمة أفراد معروفون، فتفسد الأخلاق، وتتعرض الأمة لخطر يدهمها في عزتها، ويَسلبها مجدها وسعادتها ((واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة)) والأفراد في نظر القرآن مسئولون عن خاصة أنفسهم، ومسئولون عن أمتهم، وإن هم قصروا في أحد الجانبين، أو فيهما فقد عرضوا أنفسهم، وعرضوا أمتهم للدمار والهلاك، وتلك سنة الله ((واعلموا أن الله شديد العقاب)) ثم يشفع هذا التحذير بتذكيرهم نعمة الله عليهم حينما استجابوا لله وتضامنوا في المسئولية. والحرص على إعلاء كلمة الله، وكيف نظر الله إليهم على قلتهم فكثرهم، وضعفهم فقواهم، وخوفهم فأمنهم، وفقرهم فأغناهم ((واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض تخافون أن يتخطفكم الناس فآواكم وأيدكم بنصره ورزقكم من الطيبات لعلكم تشكرون وتلك سنة الله لا تختص بزمان دون زمان، ولا بقوم دون قوم.

النداء الرابع:
ثم يناديهم مرة ثالثة، وينبههم إلى أن مخالفة الله في أوامره ـ ومن أشدها إفشاء سر الأمة للأعداء ـ خيانة لله ولرسوله، وخيانة للأمة، وحسب الخائنين سقوطاً عند الله قول الله: ((إن الله لا يحب الخائنين)).
((يأيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون)) ثم يحذرهم شهوة النفس في الحرص على المال والولد، حرصاً يفوت عليهم القصد والاعتدال في تحصيل الأموال وإنفاقها، وتربية الأبناء وإسعادهم، ويزج بهم في مهاوي الفتنة والخيانة، ويعدهم إذا سلكوا في الأموال والأولاد مسلك القصد أنما أموالكم وأولادكم فتنة وأن الله عنده أجر عظيم)).

النداء الخامس:
ثم يجىء النداء الخامس فيلفت النظر إلى أساس الخير كله، وهو تقوى الله في أحكامه وسنته، وإلى أن التقوى شجرة مثمرة، أعظم ثمارها الفرقان والنور الذي يبصركم بالحق، والعدل، والصلاح، والذي به تهتدون، وبه تنصرون وتسعدون، وبه تمحي السيئات، وتسد منافذ الشر والفساد، وبه تفتح لكم أبواب السماء، ويغمركم الفضل الذي لا يحد ((يأيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقاناً ويكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم والله ذو الفضل العظيم)).