/ صفحه 230/
ما كان محدداً للمسئول عنه كما في السؤال عن الشهر الحرام، ومنها ما عُرف المسؤل عنه من الجواب، وذلك كما في السؤال عن الخمر، وعن اليتامى، وعن المحيض، ومن هذا القسم السؤال عن الأنفال في قوله تعالى: ((يسألونك عن الأنفال)) فإنه في ذاته يحتمل أن يكون سؤالا عن الأنفال من جهة حِلّ أكلها والانتفاع بها، وأن يكون سؤالا عن كيفية قسمتها، وعمن ترجع إليه قسمتها، ولكن الجواب المذكور بعد يدل على أن المقصود هو السؤال عنها من الجهة الثانية لا من الجهة الأولى، وذلك من وجوه:
الأول: أن كونها لله والرسول لا يدل على حلها ولا على حرمتها، وإنما يفيد أن حكمها من حلِّ أو حرمة يستفاد منهما لا من غيرهما أما ما هو ذلك الحكم على التعيين وهو الذي يُسأل عنه فإنه لا يستفاد منه ولا يدل عليه، فهو إذن لا يصلح أن يكون جوابا.
الثاني: أن قوله بعد: ((فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين)) يشير إلى أنهم ارتكبوا ما ينافي التقوى، ووقع بسببه نزاع فيما بينهم، وخرجوا عن طاعة الله والرسول، ولا شك أن السؤال عن حلها أو حرمتها ليس مما ينافي التقوى ولا مما يقع بسببه نزاع، كما أنهم لا يخرجون به عن طاعة الله ورسوله، وإنما هو بالعكس يؤكد التقوى وجمع الكلمة والحرص على الطاعة; فهو بحملته وتفصيله لا يصلح أن يقع جوابا عن سؤال الحلّ أو الحرمة، وإذن فليس السؤال عن الحل أو الحرمة.
ويؤيد ذلك ما ورد من أن المسلمين اختلفوا في غنائم بدر، وفي قسمتها، أهى للمهاجرين، أم للأنصار، أم لهم جميعا؟ أو أنها للشباب الذين أبلوا يومئذ بلاء حسناً فقتلوا وأسروا، وقالوا: نحن المقاتلون فلنا الغنائم، أم للشيوخ الذين كانوا عند الروايات، وقالوا: كنا لكم ردءاً وفئة تنحازون إليها فلنا الغنائم؟ اختلفوا على هذا النحو أو ذاك، فسألوا رسول الله، أو صاروا بحالة تستدعي سؤاله: كيف تقسم الغنائم؟ ولمن الحكم في قسمتها؟ فجاء الجواب هكذا: قسمتها لله وللرسول فهما صاحبا الحكم فيها، وليس لأحد سواهما الحق في قسمتها، فاتقوا الله ولا تختلفوا فيما لا شأن لكم فيه، وامتثلوا أمر الله وحكمه إن كنتم مؤمنين.