/ صفحه 208/
من اتصلوا بالولاة ودخلوا في أمر الدنيا مهما كان صدقهم وضبطهم. وبعضهم لا يرى في ذلك بأساً متى كان عدلاً صادقاً، وبعضهم يتزمت فيأخذ على المحدث مزحة مزحها; كالذي روي أن بعض مجان البصرة كانوا يضعون صرر نقود في الطريق ويختفون، فإذا انحنى المار لأخذها صاحوا به فتركها خجلا، وضحكوا منه، فأفتى بعض المحدثين أن يملاء صرة من زجاج مكسر، فإذا صاحوا به وضع صرة الزجاج وأخذ صرة الدراهم عقاباً لهم وتأديباً، فجرحه بعض المحدثين من أجل ذلك، وعدله بعضهم إذ لم ير به بأسا.
ولأسناذنا الفاضل الشيخ محمد محمد المدني في كتابه منهج التفكير في الشريعة الإسلامية ((ص 42)) رأي منصف يريحنا من هذا الخلاف الذي لا مبرر له. وخلاصة رأيه أن ننظر إلى صدق الراوي وضبطه أو كذبه وغفلته، ولا شأن لنا بكونه يرى كذا في المعارف الكلامية، أو في الأمور التي لا تتعلق بأصول الدين، ما دام لا يعتقد جواز الكذب لتأييد مذهبه، لأنه لا ارتباط بين ما يعتقده الإنسان وما يتصف به من الصدق أو الكذب أو الضبط أو السهو، فكم من صادق ضابط في روايته وهو مع ذلك يعتقد شيئاً هو مخطىء فيه، وكم من مصيب فيما يعتقد ولكنه مع ذلك معروف بالكذب أو بالغفلة، ونحن ملكفون بالعمل بما ثبت عن رسول(رحمهما الله)من أي طريق صحيح منضبط لا من طريق معين دون سواه.
6 ـ بتنبع أقوال النقاد وأخبارهم عرف أنهم على درجات، وأن كل طائفة منهم لا تخلو من متشدد ومتوسط، فمن الإولى شعبة وسفيان الثوري وشعبة أشد منه، ومن الثانية يحيى القطان وعبد الرحمن بن مهدي ويحيى أشد منه، ومن الثالثة يحيى بن معين وأحمد بن حنبل ويحيى أشد منه، ومن الرابعة أبو حاتم والبخاري وأبو حاتم أشد منه(1).
7 ـ للتعديل والتجريح درجات مصطلح عليها، فمن درجات التعديل: ثبت، ثقة، صدوق لا بأس به محله الصدق، صالح... ومن درجات التجريح: متروك، ضعيف، فيه نظر. فيه لين. تكلم فيه. ليس بالقوي...