/ صفحه 190/
أنا اللّغَة
لصاحب الفضيلة الشيخ علي محمد حسن العماري
المدرس بالأزهر
نبّه أحد النقاد شاعراً معاصراً إلى كلمة وردت في بعض قصائده لا يقرها الذوق العربي الأصيل، فأجاب الشاعر: ((أنا اللغة)). يريد أن له مطلق الحرَّية في أن يختار من الألفاظ ما يوافق دوقه، سواء رضيت اللغية أم كرهت، ومادام يرضى ذوقه هو، فلا عليه، ولو غضب ألف لغوي.
واتجاه آخر لا يقل خطورة عن هذا الاتجاه، وهو ـ كما يزعم فريق من الناس ـ من حق الشاعر أو الكاتب أن يخطىء في قواعد العربية، فإن خطأء ثروة للغة وقواعدها، وفي ذلك يقول كاتب يخاطب كاتباً آخر كبيراً، ويحثه على الاستزادة من الغلط: ((بل خفتُ ـ على رغم ماصرحت به ـ أن تعود فتعتصم من الغلط، اغلط يا صديقي، اغلط وأكثر من الغلط للوهوم، وكسّر من هذه القيود التي كسر بعضها من قبلك، طه، كسّرها لنا وله. إن أغلاط أكابر الكتاب هي صك تحرير النشء الصاعد(1))).
وفي رأي هؤلاء جميعاً أن الشاعر العظيم ـ كل شاعر عند نفسه عظيم ـ له حق وضع مفردات جديدة خارجة عن أصول للغة، كما له حق الغلط في قواعدها. وكان طبيعياً أن تقابل هذه الدعوات بالاستنكار من فريق المحافظين، وطبيعة الجدل تقضى ـ في أكثر الأحيان ـ بأن يوجد نوع من التطرف عند كل فريق.
وأحب ـ هنا ـ أن ألقى ضوءاً على هذه المشكلة من مشاكلنا الأدبية اللغوية، لعلنا نسهم بنصيب في التوجيه إلى السبيل السوىَ، وفي إنارة الطريق أمام السائرين.