/ صفحه 168/
قلت ـ قد يكون من حقه أن يذرع الأرض ما شاء له هواه.. ولكن حريته هذه لا بد أن تحدها حرية غيره من الناس. فليس له أن يلوم صاحب القليل المعيل وقد أعذر.. بكي الرجل إذ رآه وهو معدم، لا يملك ما يقيم له به مأدبة من السديف ولا من اللبن.. فلماذا يشهره هذا الشهر الذي يكرهه طبعا. وإذا كان ((ابن الطفيل)) أو ((أبو براء)) مكثرين متلافين لا يشغلهما الفقر، ولا يحول بينهما وبين ما يشتهيان من قرى الضيف فهما ليسا بذوى فضل بالقياس إلى صاحبنا المقل.. ]ليس العطاء من الفضول سماحة حتى تجود ومالديك قليل[.
إنه ليس على لكيز ما يمكن أن يؤخذ عليه.. فهو حقا ذو صنيع مهما يكن رأي تأبط شراً في صنيعه.
قال ـ رويدك بعض شانك، فماذا تأخذ على تأبط شراً؟ لقد أعطاك الصورة وترك لك الحكم على صنيع لكيز.. وها أنت ذا تتأثر لحاله، وترثي له، وتعده صاحب فضل على أقلاله أو إعدامه.. فلم يحجبك عنه مكاثره ابن الطفيل ولا الشليل ولا ابن رباح فهؤلاء جميعا على السعة التي ترى لم يكسفوا صنيع لكيز فيما ترى أنت الآن بعد قرون تلتها قرون.. لقد حملك تأبط شراً حملاً على أن تعجب بفعال صاحبه هذا المقل على إقلاله.. وهو في الوقت نفسه أرضى غرور ذوى الكبرياء من المكثرين الذين يتلفون ولا عليهم أن تيلفوا.. إنه حقا لواء مهمته التي اضطرته اضطراراً لا اختيار له فيه إلى أن يصانع في أمور كثيرة.. أفليس هو الحول القلب الذي إذا سد منه منخر جاش منخر؟. وإذا كان حليما كما زعمته وكما هي الحقيقة عينها فإنه لم يضق بقومه أولئك الذين ضاقوا به. ولم يجزهم بالإساءة إساءة.. لقد غفر لهم شأن الرجل الكريم المسمح... خلق عربي كريم برغم أنف الجاهلية التي عاش فيها تأبط شراً وخفاف بن ندبة والشنفري والسليك وسيدهم عروة بن الورد...
قلت ـ فلنبق في حدودنا لا نتعداها.. أنها تصم تأبط شراً وحده.
قال ـ ولكن تأبط شراً غير صالح أن يكون له حدود لا يتعداها.. ألا تراه في الشرق والغرب والشمال والجنوب.