/ صفحه 116/
ومَثَل ذلك كما لو فرضنا بدويا في مكان سحيق لم يرفيه (طائرة) مصنوعة قط، ولكنه سمع بها ممن لا يشك في صدقه، فهو بوجودها مؤمن، وبقدرتها على الطيران واثق، ولكنه مع ذلك يجب أن ينتقل إلى منزلة من رآها رأى العين، وعرف كيف تطير، فإذا تطلب ذلك لم يكن شاكا في أمرها، وإنما يكون حريصا على معرفة سرها، ومعرفة السر زيادة في العلم، وحصانة من طوارى الشك.
ولذلك نجد الآية الكريمة قائمة على إقرار المرتبتين: مرتبة الإيمان، ومرتبة الاطمئنان، فيسأل الله تعالى خليله (أو لم تؤمن؟) وهو سؤال العارف بأنه آمن، وغايته أن يقر صراحة بالإيمان حتى لا يظن ظان أنه شاك في أصل القضية، فهو على حد قوله تعالى: ((ألم نشرح لك صدرك)) وأمثاله، ويجيب إبراهيم ربه: (بلى، ولكن ليطمئن قلبى) ومعناه: بلى إنى لمؤمن يارب، ولكنى أريد أن أحصن هذا الإيمان، عما عسى أن يراود الجنان، فأصل إلى منزلة الاطمئنان.
وهذا الإقرار للمرتبتين توحى به الآية الأولى أيضاً، فهى تقول: (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكرالله) فتعطف الاطمئنان على الإيمان وتجمع لهم بين الأمرين.
والله المستعان؟