/ صفحه 115/
بسم الله الرحمن الرحيم
كلمة التحرير
سألنى سائل عن معنى في قوله تعالى: (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكرالله).
فقال: لم عطف الاطمئنان على الإيمان؟ أهما مرتبتان متغايرتان؟
قلت: خذ الجواب من قوله تعالى: (وإذا قال إبراهيم رب أرنى كيف تحيى الموتى قال أو لم تؤمن؟ قال بلى، ولكن ليطمئن قلبى).
فإن هذه الآية تقرر أن الاطمئنان مرتبة بعد الإيمان، وان الإنسان قد يكون مؤمنا بربه إيمانا لا يعتريه شك، ومع ذلك يتطلب لنفسه منزلة (الاطمئنان).
فإبراهيم(عليه السلام) كان مؤمنا بالله حقّ الإيمان: وتلك قضية مفروغ منها، لأنه نبي كريم أوحى إليه من ربه، وهو محطم الأصنام، وبانى البيت الحرام، ولكنه تطلع إلى غاية من شأنها أن تنفى عن هذا الإيمان كل العوامل التي لعلها تحاول أو من شأنها أن تحاول الإرجاف عليه قصداً إلى توهينه أو تحطيمه، فإيمان إبراهيم أمر وجودى إيجابي، كان به يعتقد أن له إلها قادرا هو ربه الذي عرفه بصفاته وآثاره حيث يقول: (الذي خلقنى فهو يهدين، والذي هو يطعمنى ويسقين، وإذا مرضت فهو يشفين، والذي يميتنى ثم يحيين، والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتى يوم الدين) ولكن هذا الإيمان الوجودى الإلهى لا يستغنى عن صيانة له، وعن مدافعة لجميع الواردات التي قد ترد على النفس الإنسانية في شأنه، فإن القلوب يعتريها التقلب والتحول، فإذا دعا إبراهيم ربه أن يريه ((كيف يحيى الموتى)) فإنه يتطلب لونا من ألوان التحصين والتأمين، حتى ينال الطمأنينة والثقة مما عسى أن يداخله أو يراوده، ولذلك لم يقل: رب هل تحيى، ولكن قال: ((كيف تحيى)) فإن الأولى سؤال عن أصل القضية، وهو أمر مفروغ منه متقرر في نفس إبراهيم، وفي نفس كل مؤمن، أما الثانية فهي سؤال عن ((كيفية)) حصول الشيء وذلك فرع الإيمان به، ومن شأنه أن يقر هذا الإيمان ويزيد في ثباته.