/صفحة 90/
وهاك ما يحسم هذا التلبيس. قال المقريزي في خططه تحت عنوان: "ذكر المشاهد التي يتبرك الناس بزيارتها": مشهد زين العابدين:
هذا المشهد فيما بين الجامع الطولوني ومدينة مصر، تسميه العامة مشهد زين العابدين وهو خطأ، وانما هو مشهد رأس زيد بن علي المعروف بزين العابدين بن الحسين ابن علي بن أبي طالب عليه السلام، ويعرف في القديم بمسجد محرس الخصى، قال القضاعي: مسجد محرس الخصى بني علي رأس زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب حين أنفذه هشام بن عبد الملك إلى مصر، ونصب على المنبر بالجامع فسرقه أهل مصر ودفنوه في هذا الموضع.
وهذا المشهد باق بين كيما مدينة مصر يتبرك الناس بزيارته ويقصدونه، لا سيما في يوم عاشوراء، والعامة تسميه زين العابدين وهو وهم، وانما زين العابدين أبوه وليس قبره بمصر، بل قبره بالبقيع".
كنت أعتقد بعدئذ ألا أرى ما يخالف بيان المقريزي الذي صاغه في أسلوب المتثبت الفاحص الواعى، لأنه يطابق الحقيقة الواقعية.
فعجبت أشد العجب عند الاطلاع على طبقات الشعراني الكبرى في آخر ترجمة (زين العابدين) اذ يقول: "توفى رضي الله عنه بالبقيع سنة تسع وتسعين، وهو ابن ثمان وخمسين سنة، وحملت رأسه إلى مصر، ودفنت بالقرب من مجراة الماء إلى القلعة بمصر العتيقة رضي الله تعالى عنه".
وعرض لي أن هذا الكتاب من أسباب تلك الشهرة الخاطئة التي استقرت في أذهان العامة، لكثرة ذيوعه بين القارئين. فان موضوعه حبيب إلى قلوب المؤمنين، وتيسير ثمنه مرغب في اقتنائه، الا أن روايته لا يختلف اثنان في بطلانها، اذ لم يرد في السماع ما يظاهرها، وآية ضعفها الأخبار عن حمل الرأس فقط مع استبقاء الجسم بالبقيع، وهل يتقبل العقل حضور الرأس وحده إلى مصر دون الجسد بعد موته