/صفحة 84/
حتى جاء معاوية يزحف بجيش الشام إلى العراق، فآثر الحسن التنازل عن الخلافة لمعاوية دون حرب ونضال، على شروط ليست فيها دنية، تصون كرامة العلويين، وتكفل رفع الحيف عنهم وعن أشياعهم، فوافق عليها معاوية وأظهر تقبلها أحسن قبول، وفي النفس دخل، اذ كشفت الأيام بعد استقرار الخلافة له واستتباب الأمن بين جماعة المسلمين عن نواياه، فلم يف بما عاهد عليه في كتابه للحسن الا بالقليل.
ولم يكن هذا الرضى من الحسن بالتنازل عما يراه حقه الا حقناً للدماء التي يعز اراقتها، وابقاء على جمع شمل المسلمين خوف تفرقهم بددا، ومصداقا لتحقيق قول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه: "ان ابني هذا سيد، ولعل الله يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين".
نعم غاظ هذا الصلح الحسين وأحنقه، فحاول جهده صد الحسن عنه، لكن رأي الحسن فيه ما لم ير أخوه فاختلف النظر.
تسلم معاوية مقاليد الأمور عامة دون منازعة في الخامس والعشرين من شهر ربيع الأول سنة 41 هـ.
العهد الأموي:
يبتدىء هذا العهد منذ تم الصلح بين الحسن ومعاوية، فبدا للحسن والحسين وسائر العلويين وأتباعهم استحسان انصرافهم جميعا إلى المدينة المنورة، وحرص معاوية على استرضائهم بجزيل العطايا حتى يذهب ما في أنفسهم، وحتى لا يتطلعوا بعد إلى الخلافة التي تجر عليهم الشغب والمتاعب، لكنهم في قرارة أنفسهم يرون الخلافة حقا لهم، وأن هذا الحق واصل اليهم بعد معاوية، ولم يغب عن تفكر معاوية ما يأملون. ولا يرى أنه يحول بينهم وبينها الا جعل الخلافة وراثية، وتلك بدعة لم يقع فيها خليفة قبله، فليس لديه الا الملاطفة والمخاتلة، فبذل في هذا السبيل كل جهد، وما زال يفتل في الذروة والغارب حتى بلغ ما أراد، فخدع الأمة في العهد بها ليزيد ابنه، ولم تقم في وجهه عواصف تجتاحه لحلمه وحسن احتياله حتى مات سنة 60 هـ.