/صفحة 73/
قال: ولقد كان في سابق علمه جل وعلا أن تشرف هي فيما بعد بنسبتها إليه، فهي الآن اللغة القرآنية وهذا حسبها وكفى، فليست لغة ولدى عدنان وقحطان، الا كما هي لغة الهند وباكستان وتركيا وايران وافغانستان وأوغندة والصومال والسودان وسائر بلاد المسلمين، فليس منا من يتكلمها غريزة، بل كلنا يتعلمها تعلماً، ودعني من اللهجات العامية، ولقد يتعلم القرآنية سوداني أو حبشي، فيجيدها أحسن مما يجيدها عربي نجدي أو مصري، وما المعيار في اجادتها الا القرآن، فهو وحده المثل الأعلى، الذي يحاول كل جهد طاقته أن يقترب منهن فمكانتك من أصحاب البيان إنّما تقاس بمدى قربك من لغة القرآن.
قلت: أفترون القائمين عليها ـ وأنتم منهم ـ يقرون هذه التسمية "اللغة القرآنية" واذا أقروها أفترون العرب أنفسهم يرضون أن يكونوا سواء وغيرهم من الشعوب الإسلامية من حيث انتسابهم إلى لغة القرآن؟
قال: فذلك أمر أقره ورضيه خالق السماوات والارض، فأنت ترى أنه سبحانه وتعالى شاء أن تفسد السلائق العربية، ولما تمض عشرات السنين على نزول القرآن، فيفطن أولوا الامر حينئذ للخطر المحدق لا بلغة ربيعة ومضر، بل بلغة القرآن، فما كان الاعتبار الأول ليعنيهم، ولكنه الاعتبار الثاني الذي دعا المسلمين الأول إلى استنباط الأحكام أو الأسس التي قام عليها صرح اللغة نحوها وصرفها وبلاغتها وسائر فروع معرفتها، هذا العمل الضخم الفخم الذي يقدره العالمون الآن حق قدره، لم يكن عمل "يعرب" وحدها، بل لعل أسهمها في الشركة كانت أقل من أسهم سيبويه ونفطويه، ومن ثناء الله من المسلمين غير اليعربين، ومن يدري فعسى أن يكون العمل قد قسم تقسيما تلقائياً نسبياً بين المسلمين، أفلا ترى المؤلفين الأولين في علوم اللغة والدين أكثرهم من الأعجميين، فهم يخدمون لغة القرآن، لا لغة عدنان وقحطان. وكذلك حقت كلمة ربك صدقاً وعدلاً أن تكون لغة الشرع لا فضل لعربي على عجمي فيها. اذن لا تقل: ترضى العرب أو لا ترضى تلك التسمية: اللغة القرآنية، فتلك ارادة الله سبحانه وتعالى أفسد الغريزة العربية من