/صفحة 356/
إنهم قرءوا بهدوء تلك المهاجمات العنيفة، ولكنهم لم يتأثروا، ولم يكفوا عن الجهاد، كما كان المؤلفان المتجنيان المتعصبان ـ سامحهما الله ـ يأملان، بل إنهم أجمعوا على أن الحاجة ملحة إلى بذل نشاط أكبر ما دام في العالم الإسلامي هذا النوع من الأشخاص، وهذا اللون من التفكير، وهذا الإصرار على محاولة التفرقة.
ولم يقف الأمر عند هذين الكتابين بل جاء من مثلهما الكثير، وكثر كذلك الكلام هنا وهناك، وكل هذا في جملته كان يحفز الجماعة إلى تسعى لتحقيق ما حسبه البعض مستحيلا.
لقد كان أكثر الناس يسمى هذا النشاط "محاولة" هيهات أن تؤدى إلى نتيجة، وكان منهم من يرى هذه "المحجاولة" مستحية، وكان فريق آخر يطنها "سياسة" على المألوف من الذين تعودوا ألا تنبع أفكارهم من ذوات نفوسهم، مع وضوح أنه لا يمكن أن يكون لسياسة أجنبية ما رغبة في تجمع على أساس وحدة المبادىء الدينية لثقتها بأن ذلك هو عين القضاء عليها.
كل هذا كان دعاية نافعة لجماعة التقريب، لفتت إليها الأنظار، وجعلت كثيراً من الناس يدرسون فيعرفون فيصبحون جنوداً، فكثر بذلك أنصارها، وضم كثير من المفكرين وعلماء الدين في مختلف البلاد جهودهم إلى جهودها. فأصبحت هذه الجماعة التي تكونت في القاهرة مركزاً فكرياً علمياً أعضاؤه من أولى العلم وأصحاب التوجيه والرأى في العالم الإسلامي كله وضاقت الأرض على الأقلام المقرقة وتباشى القبور الذين لا هم لهم إلا تحريك الماضى المتعفن واثارة العواطف البغيضة!
إن تكوين الجماعة نفسه كان توفيقاً، لأنهم هيئوا للمسلمين مركزا يصلح للنظر في مشكلاته ويلتقى فيه رجال الإسلام من كلتا الطائفتين، ويطله الهدوء وتقدير المصلحة، ويسوده الوفاق لا الخصام.