/صفحة 323 /
فكونه صلى الله عليه وآله وسلم بالأفق الأعلى ودنوه وتدليه وكونه قاب قوسين أو أدنى ورؤيته جبرائيل الأمين شديد القوى عند سدرة المنتهى والتصريح بأنه ما زاغ البصر وما طغى ورؤيته الآيات الكبرى تدل على كون الرؤية بالبصر وفي اليقظة. نعم في خلال تلك الآيات آية (ما كذب الفؤاد ما رأى) وهذه لا تدل على كون الإسراء بالرؤيا والروح لما ورد في التفسير أنه ما كذب فؤاد محمد صلى الله عليه وآله وسلم ما رآه بعينه وعلى ما نقل عن المبرد. المعنى أنه رأى شيئاً فصدق فيه(1)، ومعنى الدنو والتدلي وكونه قاب قوسين أو أدنى مما يدل بالظاهرة على التجسم فسبيله سيل سائر الكلمات الدالة على التجسم ظاهراً كما في يد الله وجنب الله فيجب المصير إلى التأويل بقرب المعنوي بتقريب أنه لو كان القرب من الله بالجسم كان هذا ميزانه ومقداره.
وقال تعالي في سورة الزخرف (واسأل من أرسلنا قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون). وقد نقل في تفسيره عن أبي سعيد الخدري وابن زيد رضي الله عنهما(2)، أنه كان في ليلة الإسراء فجمع عنده تسعون نبياً وتقريب الاستدلال بهذه الآية على رأي الجمهور هو أنه لم يكن في زمن الرسل الذين كانوا قبله ولم يكن يتيسر له السؤال منهم إلا على الوجه الذي نقله المفسرون ليلة المعراج في بيت المقدس، وما قال بعض المفسرين إنه على حذف المضاف والمراد به سل أتباع من أرسلنا فبعيد. لأن هذا خلاف ظاهر الآية وخلاف الأصل، على أنه ينافي ما عليه أتباع الرسل المجاورين لحضرته صلى الله عليه وآله وسلم المعرضين للسؤال عنهم فإن أتباع الرسل كانوا هوداً أو نصارى أو مجوساً أما اليهود فإن مقالتهم تضاهيء قول الذين كفروا، وأما النصارى فإنهم قائلون بالنور والظلمة فلا فائدة في السؤال عنهم لأنهم إن سئلوا وأجابوا بأنهم ما أمروا ليعبدوا غير الله فيسأل عنهم لم اعتنقوا واعتقدوا وعبدوا غير ما أمروا وإن أجابوا بما هم عليه فخلاف المراد من الأمر بالسؤال عنهم فإذا لم يبق سوى ما قلناه والسلام عليكم.

ــــــــــ
(1) المصدر نفسه.
(2) المصدر نفسه.