/صفحة 300/
وليس العيب مقصوراً على الاختصار المخل، أو على الالتواء، أو على الاطالة؛ وإنما يمتدّ إلى نواح أخرى بلاغية تتعلق باختيار الألفاظ، وتركيب الجمل وبناء الأساليب، فللنحاة في هذا كله منهج يتوارثونه ويلتزمونه ويحتفظون به. قد يكون ملائماً لعصورهم السالفة، بعيداً كل البعد من عصرنا ـ كما أسلفنا ـ فمن البدائه أن لكل عصر لغته، وللغة كل عصر مقوماتها ! ولا سيما اللغة العلية التي تستخدم في إيضاح حقائق العلوم وأسرارها؛ تلك الحقائق التي قد تخلد ولا تتغير. ولكن اللغة التي تترجمها وتعبر عنها لا تثبت على حال، أو لا ينبغي أن تثبت على حال، بل يجب أن تساير الأزمان، وتتشكل بما يناسبها وتعرض في أجمل الطرائق فعجيب ـ إذاً ـ أن يكون للنحاة المحترفين لغتهم المتميزة التي تجافي لغة الأدباء، ولسانهم الذي يفصح عنهم، ويعلن أنهم نحاة وإن لم يصرحوا. وليس عجيباً أن يخشى النحاة المحترفون اليوم فساد ملكتهم الأدبية إن هم أهملوها، ولم يديموا تغذيتها بالزاد الأدبي المتجدد.
وما يقال عن لغة النحو القديم يقال كذلك عن طريقة تأليفه؛ فقد جد اليوم الكثير من طرائق التأليف التي تيسر على القارئ فهم ما يقرأ، وتحبب إليه المعاودة والاستزادة، وتحتفظ له بنشاطه العقلي والجسمي يستخدمها فيما يشاء، وما هذا بالقليل. وكم رأينا مقبلا على النحو زهد فيه بسبب اللغة، وطريقة التأليف. وطالباً كبيراً شكا إلى الله ما يلقى منهما، ونحن ـ معشر المعلمين ـ ندرك من صدق هذا ونشهد من آثاره في الطلاب وفينا ـ ما يجعلنا نقطع بضرورة هذا الإصلاح والمبادرة به، ويحملنا على إطراء من بذلوا جهداً ولو ضئيلا في إخراج كتب نحوية جديدة، في لغة وطريقة جديدة كذلك.
نعم إنها كتب صغيرة ولكنها محاولات فتحوا بها الباب. فعسى أن يتبعهم القادرون فيتممون ويكملون. وقديماً قالوا: أول الغيث قطر ثم ينهمر.
* * *
أما بعد. فهذه عيوب النحو كما أراها ـ برغم فائدته وجليل نفعه وفضل أهله وعظيم عملهم ـ ولا سبيل لتيسيره وتهذيبه إلا بعد القضاء عليها ويومئذ يمكن