/صفحة 256/
للعربية وأن سائر العرب ليسوا أكفاء لقريش وقد بينا ذلك وذكرنا الحق فيه فيما تقدم والان نريد أن نذكر الشبه التي تعلق بها من أنكر المساواة ورأى التفاضل والتمايز بين الناس لتعلم أن المسألة مثار غلط ومكان شبهة.
إن مما اتفق الناس عليه المثل القائل لا يزال الناس بخير ما تباينوا فإذا تساووا هلكوا يقول لا يزال الناس بخير ما كان فيهم أشراف وأخيار، فإذا جملوا كلهم جملة واحدة هلكوا وكانت العرب إذا ذمت قوماً قالوا: هم سواسية كأسنان المشط.
والناس تتمايز بأخلاقها وأعمالها وعقولها وكفاياتها فقد يكون رجل لا يغني غناءه مئات الرجال ولا الآلاف منهم حتى قال الشاعر:
ولم أر أمثال الرجال تفاوتا إلى المجد حتى عد ألف بواحد
وسأذكر مثالين من التاريخ يبينان ما قلناه أتم بيان:
المثال الأول من غزوة الخندق وهي غزوة تحزب فيها الأحزاب من قريش وأحابيشها وكانت في عشرة آلاف ومن غطفان ومن عاونهم ومن قريظة ومن دخل معهم من اليهود وتجمعوا حول المدينة وأرادوا استئصال وقد وصف الله شدة هول الواقعة بقوله:
" إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسف منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلبو الحناجر وتظنون بالله الظنونا، هنالك ابتلى المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا، وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا" وقد أبلى نعيم بن مسعود أحسن البلاء في كشف هذه الغمة فقد روى أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إني قد أسلمت وإن قومي لم يعلموا بإسلامي فمرني بما شئت، فقال رسول الله إنّما أنت فينا رجل واحد، فخذل عنا إن استطعت، فإن الحرب خدعة فخرج نعيم بن مسعود حتى أتى بني قريظة، وكان لهم نديماً في الجاهلية فقال يا بني قريظة قد عرفتم ودي إياكم وخاصة ما بيني وبينكم قالوا صدقت لست عندنا بمتهم فقال لهم إن قريشاً وغطفان ليسوا كأنتم