/صفحة 24 /
ولكن لا عجب فإن تلك الظاهرة الروحية هي في الكنيسة وحدها، لانعدوها، فإذا خرجوا منها تسلمهم سلطان المادة يفرض عليهم نفوذه وقوته، فهم يرجون منها لاهين في المراقص، والعشاق والعشيقات يتلاقون على مائدة الشيطان، وعلى موائد القهار، ثم يستأنفون من بعد إشباع نهماتهم المادية.
3ـوتحت سلطان المادة كان التناحر بين المذاهب، وقامت مذاهخب ثلاثة تتنازع هذا الوجود: مذهب يجعل السلطان الكامل لرأس المال، فكل امرىء ومايملك، وملكية الرجل في ماله مطلقة لا يحدها قيد من القيود، إلا ما تضطر الدولة لفرضه أحيانا في أضيق حدود، فللشخص في ماله أن بتصرف بكل أنواع التصرف على حسب ما يراه من طرق الاستغلال، وينفق غلاته في كل ما يشتهى ومايريد، وإنه في هذا السبيل يستغل كل قوى غيره، وكل ثمرات الجهود التي يبذلها سواه. وقد ترتب على ذلك النظام أمور اجتماعية خطيرة، كان لها شأن في سير المجتعمات، فكان ثمة طبقة كادحة عاملة، وطبقة رافهة، وكانت فيها سُخرة ٌ إنسانية عامة، تسخير فيها طائفة كبيرة من بنى آدم لخدمة طائفة أخرى، وترتب على هذا النظام أيضاأن ذهبت المودة التي تربط بين آحاد المجتمع، والتي دعت إليها الأديان السماوئة كلها، بكل الطرق من غير نظر إلى المصلحة العامة، فُوجِد الاحتكار، ووجد الربا الذي يكسب له دائما، والخسارة على المدين دائما، وقد تولد عن ذلك الأزمات المختلفة كما سنبين إن شاء الله تعالى. وكانوا حريصين أيضاً على المحافظة على بقاء الثروة حتى لا تتعرض للآفات السماوية، . فكانت التأمينات وغيرها، وفي الجملة هو نظام يربى روح الأثرة في الآحاد والجماعات، حتى لقد رأينا دُوَلا تقود الفكر الاقتصادى في العالم تحرق الأقوات، ولا تبيعها للمحتاجين إليها في الأمم الأخرى، فأْهراد ُ أمريكا مملوءة بالقمح، ويتعرض للتلف، ولاتقدمه لأمم ينقصها القمح، لتخضعها لاقتصادها، أو سياستها، أو لكيلا يكون العرض