/صفحة 211 /
دون هدايته، ولكنهم على ضعف رواية الناقلين عنهم لم يأتوا بشيء تقر به أعين الملاحدة والزنادقة فيحفظوه عنهم، ويحتجوا به لإلحادهم وزندقتهم ".
ومن الدلائل على أن هذه المعارضات من مختلقات الرواة أن بعضها يروي عن غير واحد كهذه الكلمة: إنا أعطيناك الجماهر، فصل لربك وجاهر. فقد نسبها الشيخ عبد القاهر الجرجاني في رسالته في الإعجاز لمسيلمة، ونسبها ابن عبد ربه في العقد الفريد لمتنبيء في العصر الأموي في عهد خالد بن عبد الله القسري، وزاد في آخرها: ولا تطع كل كافر وساحر.
ومما لا يدع عندي مجالا للشك في أن هذه المعارضات من تفكهات الظرفاء هذه القصة الخليعة التي نسجها الرواة حول التقاء مسيلمة بسجاح، فقد أطلق الرواة لخيالهم العنان، فنسجوا قصة لم يقصد منها إلا الحط من هذين المتنبئين، وإلا الترويح عن نفوس القارئين لأخبارهما، وقد استغلوا اجتماع رجل وامرأة في ظل دعوة كاذبة.
أنشد مسيلمة سجاح شعراً، ونثر لها نثراً، والشعر في غاية الركة معنى ومبنى لا يقوله إلا أفجر رجل لأوقح امرأة، فإذا انتهى من الشعر بكلمة داعرة عاهرة وأجابته سجاح عنها إجابة المرأة الهلوك المتهالكة بكلمة لاتقل فحشاً عن كلمة مسيلمة زعم لها أنه بهذا أوحى إليه، كأن قرآن مسيلمة لا يعف أن يرشد الرجل إلى أدق الشئون في اتصال الرجل بالمرأة اتصالا جنسياً.
وقد عمل خيال الرواة في إتمام القصة أيضاً، فقد زعموا أن سجاح أقامت في حصن مسيلمة ثلاثاً ثم انصرفت فقال لها قومها: ما عندك ؟ قالت: كان على الحق، فاتبعته فتزوجته، قالوا: فهل أصدقك شيئاً ؟ قالت: لا. قالوا: ارجعي فقبيح بمثلك أن ترجع بغير صداق، فرجعت فلما رآها مسيلمة أغلق الحصن وقال: مالك ؟ قالت اصدقني صداقا، قال: من مؤذنك ؟ قالت: شبث بن ربعي الرياحي، قال علي به فجاء فقال: ناد في أصحابك أن مسيلمة بن حبيب رسول الله قد وضع عنكم صلاتين مما أتاكم به محمد صلاة العشاء الآخرة وصلاة الفجر.