/صفحة 199 /
وبالرجوع إلى الروايات الصحيحة، والنقول الموثوق بها، نجدها تصلح أساساً قويا لحملنا على الاعتقاد بصدق ذلك النص، ومطابقته للأصل الذي نقل عنه. فليس هناك حديث صحيح واحد يُلقي الشك على عمل عثمان أو يبعث الريبة في جمعه، إذ لم يرو لنا التاريخ معارضة ذات بال نادت باتهام عثمان، بارتكابه حدثا يعده المسلمون من أسوأ الأحداث، واقترافه لذنب هو من أعظم الذنوب، ثم أن الوقت الذي جمع فيه عثمان القرآن كان كثير من الصحابة يحفظونه عن ظهر قلب كما سمعوه من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
" هذا إلى أن شيعة عليّ الذين ظهروا في شكل مستقل، وشخصية متمايزة عند مقتل عثمان يدعون إلى خلافة علي، لم يكن من المعقول أنه حينما وصلت هذه الطائفة إلى قوتها أن تجيز قرآناً مشوهاً بيد عثمان فيه ما يبطل دعواهم، ويدحض حجتهم، بل نجدهم مع ذلك قد استمروا في الاعتراف بهذا النص الذي كان لعثمان فضل جمعه، وتدارسوه كما كان يتدارسه خصومهم، ولم يرفعوا في وجهه أقل اعتراض أو معارضة ".
وهناك مسألة أخرى، وهي إذا فرضنا جدلا أن " نصوح طاهر " قد اكتشف العدد الحقيقي للآيات في السور التسع والعشرين، فما يكون الموقف إزاء آيات السور الباقية وهي (85) فهل يقلد المسلمون عثمان رضي الله عنه في جمعه، أو يخترع لهم صاحب النظرية نظرية أخرى تحل هذه المشكلة ؟ وإذا كان الأمر كذلك فما علينا إلا أن ننتظر كشفاً أعظم من الكشف السابق فيه تمزق آيات الكتاب تمزيقا، ويقلب نظامه قلبا، بل ربما كان من أيسر الحلول على طريقته وأسلوب ابتكاره، القول بأن الحروف المقطعة التي كانت في افتتاحات (85) سورة باقية قد حذفت منها بيد عثمان، فإن من يستطيع أن يبدل من عدد الآيات في السور المختلفة، يسهل عليه بلا ريب أن يحذف افتتاحاتها بالأحرف المقطعة، وحاشا عثمان رضي الله عنه من ذلك.
ثم تنتقل المقالة إلى الحديث عن ورود استعمال الأحرف المقطعة في اللغة العربية مما سننقله في المقال الآتي إن شاء الله ـ تتمة للبحث.