/صفحة 169/
الذي عرضت على فأى الأمانات هو ؟ أأمان ابن هبيرة، أم أمان عمك عبد الله ابن علي، أم أمان أبي مسلم ؟ والسلام ".
وبيان هذه الأمانات الثلاثة وغدر المنصور فيها يحتاج إلى حديث طويل، فينبغي إفراده بمقال مستقل.
فرد المنصور بما فيه السفه والهُجر، ولو لا أن الراوي أحد الشاتمين لسردته أو بعضاً منه، على أنه على الجملة يحمل في طياته ما يؤذن بالغدر العاجل(1).
لم تجد هذه المراسلات بينهما، وقضت على كل أمل في التداني بينهما، وابدى الشر ناجذيه.
إن المنصور يئس من إرضائه مهما بذل، ومن عدوله عن الاستمرار في استفزاز الأمة لينقلب الوضع.
وزاد الأمرَ ضغثا على إبالة استيلاء محمد على المدينة وسجنه واليها، كما اتخذ السبيل إلى مكة والفوز مأمول، وبذا يتم الأمر في الحجاز بحاضرتيه: مكة والمدينة.
اقتضى ذلك أن يبعث المنصور جيشاً تحت إمرة قائد خبير بخدع الحرب، فأمَّر ابن أخيه عيسى بن موسى ولي عهده، وأوصاه الإسراع في إخماد هذه النار قبل أن تلتهم الأخضر واليابس. على أنه لم يك تأمير ابن أخيه أيثاراً له، بل كان يضطغن عليه متمنياً هلاكه، حتى تنتقل ولاية العهد لابنه المهدي، فقذف به في أتُّون الحرب مع النفس الزكية، وتمني أن يصرع أحدهما الأخر أو يُصرعا، ليصيب أحد الغرضين أو كليهما بسهم واحد، فأمنيته: بقاء الملك في يده وولاية ابنه عهده.
قدم جيش المنصور المدينة، وأنذر عيسى محمد مغبة الحرب، ولكن ما يشاء الله فلا مخلص منه.
فاقتتل الفريقان أشد قتال وأبرحه أياما وليالي، ثم كان ما كان من تغلب عيسى ومن معه على محمد وذويه، فقتل محمداً رضوان الله عليه في موضع يعرف بأحجار

ــــــــــ
(1) الرسائل الثلاث في كامل المبرد ج 8 ص 278 ـ 287، وكامل ابن الأثير ج 5 ص 5 ـ 7، والعقد الفريد ج 5 ص 79 ـ 85 طبع اللجنة.