/صفحة 167/
فيه، وأنها في حاجة ملحة إلى رجل قوى الشكيمة ماضي العزيمة معروف بالقسوة والصرامة والغلظة يقضي على هذه الثورة في مهدها، فولاها رياح بن عثمان بن حيان المري سنة 144 هـ، لما اشتهر به من عنف وإعنات وسفك دماء، وقد ورث تلك الرذائل عن أبيه عثمان، ليعيد سيرة أبيه عند ولايته المدينة للوليد بن عبد الملك سنة 93 هـ، وأوصاه بالجد في طلب النفس الزكية محمد وأخيه إبراهيم، وألا يألو جهداً في القبض عليهما وعلى من يشايعهما، مع التنكيل بهم، غير آبه المنصور بقرابة، ولا مبق للرحمة سبيلا.
وما إن دخل رياح دار الإمارة " دار مروان " في المدينة حتى هدد أبا محمد وإبراهيم ليدله عليهما، مع أن إبراهيم في البصرة ينشر الدعاية لأخيه محمد سرا، وقد أجاب دعوته هناك من الأقاليم جم غفير.
رأى محمد ـ وقد اشتد الطلب في القبض عليه ـ انه لا يسعه إلا أن يظهر بالمدينة ثقة منه بالفوز على المنصور، بعد أن مهد بالدعوة السرية في الحجاز والبصرة.
وأخذت البيعة له وتبعه أعيان المدينة، وزكاه الإمام مالك، فقام بالمدينة معلناً إياها يؤازره آله ومن التفوا حوله، ودخل دار الامارة، وأخرج وإلى المدينة رياحا منها قسراً وحبسه، ودانت المدينة له علانية، فقال أول خطبة له على منبر المدينة بعد أن حمد الله وأثنى عليه:
" أيها الناس، إنه قد كان من أمر هذا الطاغية أبي جعفر من بنائه القبة الخضراء التي بناها معاندة لله في ملكه، وتصغيره الكعبة الحرام، وإنما أخذ الله فرعون حين قال: أنا ربكم الأعلى. وإن أحق الناس بالقيام في هذا الدين أبناء المهاجرين الأولين، والأنصار المواسين، اللهم إنهم قد أحلوا حرامك، وحرموا حلالك، وعملوا بغير كتابك، وغيروا عهد نبيك صلى الله عليه وسلم، وآمنوا من أخفْت، وأخافوا من آمنت، فأحصهم عددا، واقتلهم بَدَدا، ولا تبق منهم على الأرض أحدا "(1).
ــــــــــ
(1) ذيل الأمالي ص 120 طبع الدار.